الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون

                                                                                                                                                                                                الكاف محلها رفع على: أنتم مثل الذين من قبلكم، أو نصب على: فعلتم ما فعل الذين من قبلكم، وهو أنكم استمتعتم وخضتم كما استمتعوا وخاضوا، ونحوه قول النمر [من السريع]:


                                                                                                                                                                                                .......................... ... كاليوم مطلوبا ولا طلبا



                                                                                                                                                                                                [ ص: 66 ] بإضمار "لم أر"، وقوله: كانوا أشد منكم قوة : تفسير لتشبيههم بهم، وتمثيل فعلهم بفعلهم. والخلاق: النصيب، وهو ما خلق للإنسان، أي: قدر من خير، كما قيل له: "قسم"; لأنه قسم، ونصيب; لأنه نصب، أي: أثبت، والخوض: الدخول في الباطل واللهو، كالذي خاضوا : كالفوج الذي خاضوا، وكالخوض الذي خاضوه. فإن قلت: أي فائدة في قوله: فاستمتعوا بخلاقهم وقوله: كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم مغن عنه كما أغنى قوله: كالذي خاضوا على أن يقال: وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها، والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع، ويهجن أمر الرضى به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول: أنت مثل فرعون، كان يقتل بغير جرم، ويعذب، ويعسف، وأنت تفعل مثل فعله، وأما: وخضتم كالذي خاضوا : فمعطوف على ما قبله مستند إلى مستغن باستناده إليه عن تلك التقدمة، حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة : نقيض قوله: وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [النحل: 122].

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية