الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        455 430 - ورواه مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن ابن عمر ، فقال فيه : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته .

                                                                                                                        [ ص: 173 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 173 ] 10065 - وهكذا رواه عبد الوهاب الثقفي ، ورواه سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد بلفظ حديث مالك ومعناه .

                                                                                                                        10066 - ورواه عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه ، عن ابن عمر ، فقال فيه : فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا على حاجته مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة .

                                                                                                                        10067 - وقال فيه حفص بن غياث ، عن عمرو بن سعيد ، عن محمد بن يحيى ، عن عمه ، عن ابن عمر : متوجها نحو القبلة لم يقل : الكعبة ولا بيت المقدس .

                                                                                                                        10068 - وقال أحمد بن حنبل في حديث ابن عمر هذا : إنما نسخ فيه استقبال بيت المقدس واستدباره بالغائط والبول .

                                                                                                                        [ ص: 174 ] 10069 - قال : هذا الذي لا أشك فيه ، وأنا أشك في الكعبة .

                                                                                                                        10070 - قال أبو عمر : قد قال في حديث ابن عمر من لا مدفع لأحد في نقله وهو عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن ابن عمر : " مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة " فدل على أن النهي إنما أريد به الصحاري لا البيوت ، لما في ذلك من الضيق والحرج ، وما جعل الله في الدين من حرج ومعلوم أن بيت المقدس إنما ذكر في وقت كونه - والله أعلم - قبلة ، فالقبلة : البيت الحرام كذلك ، فكيف وفي نقل الثقات الحفاظ : " مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة " فجاء بالوجهين جميعا .

                                                                                                                        10071 - وقد روى حماد بن سلمة وغيره ، عن خالد بن الصلت ، عن عراك بن مالك ، عن عائشة قالت : ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قوما يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال : " فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة " .

                                                                                                                        10072 - وهذا واضح من خصوص البيوت ، ومعلوم أن المقاعد لا تكون إلا في البيوت ، فدل على أن الصحاري عليها حرج النهي خاصة ، والله أعلم .

                                                                                                                        10073 - وقد ذكرنا أسانيد أحاديث هذا الباب كلها في " التمهيد " .

                                                                                                                        10074 - وقد روى مروان الأصفر ، عن ابن عمر أنه رآه أناخ راحلته مستقبل بيت المقدس ثم جلس يبول إليها ; فقلت : يا أبا عبد الرحمن ! أليس قد نهي عن هذا ؟ فقال : إنما نهي عن ذلك في الفضاء وإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا [ ص: 175 ] بأس .

                                                                                                                        10075 - وروى وكيع وعبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط ، وهو عيسى بن ميسرة ، قال : قلت للشعبي : إن أبا هريرة يقول : لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ، وقال ابن عمر : كانت مني التفاتة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كنيفه مستقبل القبلة .

                                                                                                                        10076 - فقال الشعبي : صدق أبو هريرة ، وصدق ابن عمر ، قول أبي هريرة في البرية وقول ابن عمر في الكنيف . قال الشعبي : فأما كنفكم هذه فلا قبلة لها .

                                                                                                                        10077 - هذا حديث وكيع . وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث أبي هريرة مسندا ، وحديث ابن عمر من رواية عيسى الحناط .

                                                                                                                        10078 - وقالت طائفة من أهل العلم : منهم داود ومن اتبعه ، وهو قول عروة بن الزبير : جائز استقبال القبلة للبول والغائط في الصحاري والبيوت .

                                                                                                                        [ ص: 176 ] 10079 - واحتجوا بحديث جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط . قال : ثم رأيته بعد ذلك يستقبل القبلة ببوله قبل موته بعام .

                                                                                                                        10080 - وقد ذكرت إسناد هذا الحديث في " التمهيد " .

                                                                                                                        10081 - قالوا : فهذا يبين أن نهيه في ذلك منسوخ ، وأقل أحوال الآثار في ذلك أن تتعارض فتسقط ، وأصل الأمور الإباحة حتى يثبت الحظر بما لا معارض له .

                                                                                                                        10082 - هذا ما نزع به من ذهب مذهب داود ، وليس حديث جابر الذي عولوا عليه في النسخ مما يحتج به عند أهل العلم بالنقل ولا مما يعتمد على مثله ، والله أعلم .

                                                                                                                        10083 - وقد أوضحنا هذا المعنى في " التمهيد " والحمد لله .

                                                                                                                        [ ص: 177 ] 10084 - وكان مجاهد ، وإبراهيم النخعي ، ومحمد بن سيرين يكرهون أن تستدبر إحدى القبلتين أو تستقبل لغائط أو بول : الكعبة وبيت المقدس .

                                                                                                                        10085 - وهؤلاء غاب عنهم وخفي عليهم ما علمه غيرهم ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        10086 - قال أبو عمر : من الدليل على أن نهيه - صلى الله عليه وسلم - استقبال القبلة بالبول والغائط إنما عنى به الصحاري والفضاء والفيافي دون كنف البيوت .

                                                                                                                        10087 - قوله في حديث عائشة : " استقبلوا بمقعد القبلة " ، والمقعد لا يكون إلا في البيوت .

                                                                                                                        10088 - ومثل هذا حديث ابن عمر كان منه بالمدينة ، رآه على سطح أشرف عليه منه فرآه على لبنتين يقضي حاجته إلى ناحية القبلة .

                                                                                                                        10089 - ويدل أيضا على ذلك أن متبرز القوم إنما كان أكثره في الصحراء وخارجا من البيوت .

                                                                                                                        10090 - ألا ترى أن ما جاء في حديث الإفك من قول عائشة ( رحمها الله ) : " وكانت بيوتنا لا مراحيض لها وإنما أمرنا أمر العرب الأول " تعني البعد في البراز .

                                                                                                                        10091 - وقال بعض أصحابنا : إنما وقع النهي عن الصحاري ; لأن الملائكة تصلي في الصحاري .

                                                                                                                        10092 - وأما قوله في الحديث : " كيف أصنع بهذه الكرابيس " فهي المراحيض ، واحدها كرباس ، مثل سربال وسرابيل .

                                                                                                                        10093 - وقد قيل : إن الكرابيس مراحيض العرب وأما مراحيض البيوت [ ص: 178 ] فإنما يقال لها الكنف .

                                                                                                                        10094 - وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه " دليل على أن القبل يسمى فرجا وأن الدبر أيضا يسمى فرجا .

                                                                                                                        10095 - واختلف الذين رأوا الوضوء من مس الفرج في مس الدبر على ما قد ذكرناه في موضعه ، والحمد لله .

                                                                                                                        10096 - والذي نقول به : إنه لما احتمل لفظ الفرج الوجهين كان المبين للمراد منه والقاضي فيه - صلى الله عليه وسلم - مس ذكره .

                                                                                                                        10097 - وأما قوله في الحديث : " لعلك من الذين يسجدون على أوراكهم " فإنه يعني الذي يسجد ولا يرتفع عن الأرض لاصقا بها .

                                                                                                                        10098 - وقد مضى القول فيما يجزئ من السجود والركوع في مواضع من هذا الكتاب .

                                                                                                                        10099 - ( منها ) حديث رفاعة بن رافع ، وأبي هريرة بمعنى واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للرجل الذي أمره أن يعيد صلاته وعلمه الفرائض فيها : " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا . . . " الحديث .

                                                                                                                        10100 - وحديث البراء بن عازب في وصفه لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم .

                                                                                                                        10101 - وحديث البراء أيضا ، قال : رمقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، فكان قيامه من الركوع وركوعه وقيامه من السجود وسجوده سواء أو قريبا من السواء .

                                                                                                                        [ ص: 179 ] 10102 - أخرجهما أبو داود وغيره .

                                                                                                                        10103 - وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا حفص بن عمرو النمري ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي مسعود البدري ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لا تجزئ صلاة رجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية