الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) . قال الضحاك وابن جريج : عزى الله تعالى نبيه بهذه الآية فعلى قولهما ، يكون هو قد كذب ، وهو مناف لقوله : فإنهم لا يكذبونك ، وزوال المنافاة بما تقدم من التأويلات ، كقول الزمخشري وغيره : أن قوله : ( لا يكذبونك ) ليس هو من نفي تكذيبه حقيقة ، قال : وإنما هو من باب قولك لغلامك : ما أهانوك ، ولكن أهانوني . وجاء قوله : ( ولقد كذبت رسل من قبلك ) تسلية له - صلى الله عليه وسلم - ، ولما سلاه تعالى بأنهم بتكذيبك ، إنما كذبوا الله تعالى ، سلاه ثانيا بأن عادة أتباع الرسل قبلك ، تكذيب رسلهم ، وأن الرسل صبروا ، فتأس بهم في الصبر . ( وما ) في قوله : ( ما كذبوا ) مصدرية; أي فصبروا على تكذيبهم ، والمعنى فتأس بهم في الصبر على التكذيب والأذى حتى يأتيك النصر والظفر كما أتاهم . قال ابن عباس : ( فصبروا على ما كذبوا ) رجاء ثوابي وأوذوا حتى نشروا بالمناشير ، وحرقوا بالنار حتى أتاهم نصرنا بتعذيب من يكذبهم . انتهى . ويحتمل ( وأوذوا ) أن يكون معطوفا على قوله : ( كذبت ) ، ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله : ( فصبروا ) ، ويبعد أن يكون معطوفا على ( كذبوا ) . ويكون التقدير : فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم . وروي عن ابن عامر أنه قرأ ، وأذوا ، بغير واو بعد الهمزة ، جعله ثلاثيا ، لا رباعيا من أذيت فلانا ، لا من آذيت . وفي قوله : ( نصرنا ) التفات ، إذ قبله بآيات الله . وبلاغة هذا الالتفات أنه أضاف النصر إلى الضمير المشعر بالعظمة المتنزل فيه الواحد منزلة الجمع . والنصر مصدر أضيف إلى الفاعل ، والمفعول محذوف; أي نصرنا إياهم على مكذبيهم ومؤذيهم . والظاهر أن الغاية هنا الصبر والإيذاء; لظاهر عطف ( وأوذوا ) على ( فصبروا ) ، وإن كان معطوفا على ( كذبوا ) فتكون الغاية للصبر ، أو معطوفا على ( كذبت ) فغاية له وللتكذيب ، أو للإيذاء فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية