الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 239 ] ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ( 33 ) فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ( 34 ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ( 35 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ( قال رب ) أي : يا رب ( السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) قيل : كان الدعاء منها خاصة ، ولكنه أضاف إليهن خروجا من التصريح إلى التعريض .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنهن جميعا دعونه إلى أنفسهن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ يعقوب وحده : السجن بفتح السين . وقرأ العامة بكسرها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : لو لم يقل : السجن أحب إلي لم يبتل بالسجن ، والأولى بالمرء أن يسأل الله العافية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ) أمل إليهن وأتابعهن ، يقال : صبا فلان إلى كذا يصبو صبوا وصبوا وصبوة إذا مال واشتاق إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وأكن من الجاهلين ) فيه دليل على أن المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكبه عن جهالة .

                                                                                                                                                                                                                                      ( فاستجاب له ) أجاب له . ( ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ) [ لدعائه ] العليم بمكرهن .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ثم بدا لهم ) أي : للعزيز وأصحابه في الرأي ، وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإعراض . ثم بدا لهم أن يحبسوه . ( من بعد ما رأوا الآيات ) الدالة على براءة يوسف من قد القميص ، وكلام الطفل ، وقطع النساء أيديهن ، وذهاب عقولهن ( ليسجننه حتى حين ) إلى مدة يرون فيه رأيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عطاء : إلى أن تنقطع مقالة الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      قال عكرمة : سبع سنين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي : خمس سنين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي : وذلك أن المرأة قالت لزوجها : إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس ، يخبرهم أني راودته عن نفسه ، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس ، وإما أن تحبسه ، فحبسه ، وذكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيرا ليوسف عليه السلام من همه بالمرأة . [ ص: 240 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن ، وحين قال " اذكرني عند ربك " فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال للإخوة " إنكم لسارقون " ، فقالوا : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية