الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 132 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لأنه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة ، وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به [ لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستنجاء بالروث ] ولأنه نجس فلا يجوز الاستنجاء به كالماء النجس ، فإن استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجي بالماء لأن الموضع قد صار نجسا بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء . ومن أصحابنا من قال : يجزئه الحجر ; لأنها نجاسة على نجاسة فلم تؤثر ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) إذا استنجى بمائع غير الماء لم يصح ، ويتعين بعده الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الأحجار بلا خلاف ، لما ذكر المصنف . وأما قول صاحب البيان : " إذا استنجى بمائع فهل يجزئه بعده الحجر ؟ فيه وجهان " فغلط بلا شك ، كأنه اشتبه عليه كلام صاحب المهذب فتوهم أن قوله : ومن أصحابنا من قال : يجزئه الحجر ، عائد إلى المسألتين وهما الاستنجاء بالماء وبالنجس كالروث ، وهذا وهم باطل ; لأن مراد صاحب المهذب الخلاف في المسألة الثانية وحدها ، وأما مسألة المائع فمتفق فيها على أن الماء يتعين ، لأن المائع ينشر النجاسة ، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله : فيزيد في النجاسة . والله أعلم .

                                      وأما النجس وهو الروث والحجر النجس وجلد الميتة والثوب النجس وغيرها فلا يجوز الاستنجاء به ، فإن خالف واستنجى به لم يصح بلا خلاف ، وهل يتعين بعده الاستنجاء بالماء أم يجوز بالأحجار ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما ، الصحيح عند الجمهور يتعين الماء ، وبه قطع إمام الحرمين والغزالي في البسيط والبغوي وغيرهم ، وصححه الجمهور وخالفهم المحاملي فقال في التجريد ، قال أصحابنا : إذا استنجى بنجس لزمه أن يستنجي بثلاثة أحجار طاهرة . قال : حتى لو استنجى بجلد كلب أجزأه الحجر بعد ذلك ; لأن النجاسة الطارئة تابعة لنجاسة النجو . قال : وقال الشيخ أبو حامد : الذي يجيء على المذهب أنه لا يجزئه إلا الماء ، هذا كلام المحاملي ، ورأيت أنا في تعليق الشيخ أبي حامد خلاف ما نقله [ ص: 133 ] عنه فقطع بأنه إذا استنجى بجامد نجس كفاه بعده الأحجار . قال : فلو استنجى بكلب فالذي يجيء على تعليل الأصحاب أنه يجزئه الحجر ، ولا يحتاج إلى سبع مرات إحداهن بالتراب ، هذا كلامه ، ولكن نسخ التعليق تختلف وقد قدمت نظائر هذا ، والصواب في مسألة الاستنجاء بجلد كلب أنه يجب سبع غسلات إحداهن بتراب ، والصحيح في سائر النجاسات أنه يتعين الماء .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس ، هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء ، وجوزه أبو حنيفة بالروث . دليلنا حديث أبي هريرة المتقدم في الفصل قبله . { وقوله صلى الله عليه وسلم : ولا تأتني بعظم ولا روث } " وحديثه الآخر : " ونهى عن الروث والرمة " وحديث ابن مسعود : " فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : إنها ركس " وهذه أحاديث صحاح تقدمت قريبا . وعن سلمان : " { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظام } " رواه مسلم . وعن جابر : " { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر } " رواه مسلم . وعن أبي هريرة " { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روث وقال : إنهما لا يطهران } " فرواه الدارقطني وقال إسناد صحيح . وعن رويفع بن ثابت قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " { يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم ، فإن محمدا منه بريء } " رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية