الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 142 ] باب النفير ، من كتاب الجزية والرسالة

                                                                                                                                            قال الشافعي ، رحمه الله : " قال الله تعالى : إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما وقال : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون إلى قوله وكلا وعد الله الحسنى فلما وعد القاعدين الحسنى دل أن فرض النفير على الكفاية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما ذكر : جهاد المشركين في بلادهم من فروض الكفاية إذا قام به المكافئون سقط فرضه عن الباقين ، وهو قول الجمهور .

                                                                                                                                            وقال سعيد بن المسيب : هو من فروض الأعيان ، لا يسع أحدا من أهله أن يتخلف عنه ، احتجاجا بقول الله تعالى : إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما [ التوبة : 39 ] . وبقوله : انفروا خفافا وثقالا [ التوبة : 41 ] وبقوله : ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه [ التوبة : 120 ] .

                                                                                                                                            والدليل على أن فرضه على الكفاية قول الله تعالى : فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى [ النساء : 95 ] . فلما وعد القاعدين بالحسنى دل على أنه لم يتخلف عن فرض .

                                                                                                                                            وقوله تعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة [ التوبة : 122 ] . ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا لم يخرج بجميع المسلمين ويتأخر عنه منهم قوم ، فلو كان فرضه على الأعيان لخرج جميعهم ، فإن قيل : فقد أنكر الله تعالى على من تأخر عنه في غزوة تبوك ، فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم عادوا بعد خروجهم ، فأنكر الله تعالى عليهم عودهم .

                                                                                                                                            والثاني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاهم بأعيانهم ، فأنكر عليهم ترك إجابته .

                                                                                                                                            ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا بنفسه تارة وبسراياه أخرى ، ولو تعين عليه لم يتأخر عنه .

                                                                                                                                            [ ص: 143 ] فروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني لحيان : ليخرج من كل رجلين منكم رجل يكون خلف الخارج في أهله وماله ، وله مثل نصف أجر الخارج .

                                                                                                                                            ولأنه لو تعين فرضه لخلت البلاد من أهلها ، وضاعت الذراري ، وتعطلت مواد الزراعة والتجارة ، وهذا فساد يعم : فكان بالمنع أحق .

                                                                                                                                            فأما الاستدلال بما تقدم فعنه ثلاثة أجوبة :

                                                                                                                                            أحدها : أنه محمول على تعيين فرضه في أول الإسلام قبل نسخه بما بيناه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه محمول على من دعاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عينه فتأخر عنه .

                                                                                                                                            والثالث : أنه مستعمل فيما لم تقع به الكفاية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية