الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
46 [ ص: 163 ] حديث تاسع وعشرون لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول : إن كان الرجال والنساء ليتوضئون جميعا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

التالي السابق


رواه هشام بن عمار ، عن مالك ، فقال فيه : من إناء واحد ; حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا علي بن الحسن بن علي الحراني ، حدثنا محمد بن المعافي ، ومحمد بن محمد ، وحدثنا خلف ، حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين ، قالوا حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 164 ] من إناء واحد ، ليس في الموطأ من إناء واحد ، والمعنى في ذلك سواء ; حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسكري ، حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول : إن الرجال والنساء كان يتوضئون في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

في هذا الحديث دليل واضح على إبطال قول من قال لا يتوضأ بفضل المرأة لأن المرأة والرجل إذا اغترفا جميعا من إناء واحد في الوضوء فمعلوم أن كل واحد منهما متوضئ بفضل صاحبه ، وقد وردت آثار في هذا الباب مرفوعة بالنهي عن أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة ; وزاد بعضهم في بعضها : ولكن ليغترفا جميعا ، فقالت طائفة لا يجوز أن يغترف الرجل مع المرأة في إناء واحد ، لأن كل واحد منهما متوضئ حينئذ بفضل صاحبه ، وقال آخرون : إنما كره من ذلك أن تنفرد المرأة بالإناء ، ثم يتوضأ الرجل بعدها بفضلها ، وكل واحد منهم روى بما ذهب إليه أثرا ، ولم أر لذكر تلك الآثار وجها في كتابي هذا ، لأن [ ص: 165 ] الصحيح عندي ما روي مما يضادها ويخالفها ، مثل حديث هذا الباب ، وحديث عائشة في أنها كانت تغتسل هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد هو الفرق ، والذي ذهب إليه جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار ، أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وتتوضأ المرأة بفضله ، انفردت بالإناء أو لم تنفرد ; وفي مثل هذا آثار كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحاح ; والذي يذهب إليه أن الماء لا ينجسه شيء إلا ما ظهر فيه من النجاسات ، أو غلب عليها منها ; فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال - والله المستعان .

قرأت على عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد ، قال حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإناء الواحد . وهذا على عمومه يجمع الانفراد وغير الانفراد - والله أعلم .

وروى سفيان ، وشريك ، عن سماك ( بن حرب ) ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن ميمونة قالت : اغتسلت من الجنابة [ ص: 166 ] فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليغتسل ، فقلت إني اغتسلت منه ، فقال ليس على الماء جنابة ، الماء لا ينجسه شيء .

وهذا صحيح في الأصول ، لأن المؤمن ليس بنجس ، وإنما هو متعبد بالوضوء والاغتسال في حال دون حال ، وقد دللنا على طهارة سؤر الحائض والجنب فيما سلف من هذا الكتاب ; وإنما جاز وضوء الجماعة معا - رجالا ونساء ، ففي ذلك دليل على أنه لا تحديد ولا توقيف فيما يقتصر عليه المغتسل من الماء ، إلا الإتيان منه بما أمر الله من غسل ومسح ، ورب ذي رفق يكفيه اليسير ، وذي فرق لا يكفيه الكثير ، وقد مضى معنى هذا الباب في باب ابن شهاب أيضا - والحمد لله .




الخدمات العلمية