الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة )

قال أبو جعفر : وهذه الآية مردودة إلى قوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ] والآيات التي بعدها إلى قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) ، من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت ، وما بعد ذلك من نبإ الذي حاج إبراهيم مع إبراهيم ، وأمر الذي مر على القرية الخاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم ومسألته ربه ما سأل ، مما قد ذكرناه قبل - اعتراض من الله - تعالى ذكره - بما اعترض به من قصصهم بين ذلك ، احتجاجا منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة وحضا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله : ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) [ البقرة : 244 ] يعرفهم فيه أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم ، ويعدهم النصرة عليهم ، ويعلمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم ، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرق جمعهم وموهن كيدهم وقطعا منه ببعض عذر اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أطلع نبيه عليه من خفي أمورهم ، [ ص: 513 ] ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم ؛ ليعلموا أن ما آتاهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ، وأنه ليس بتخرص ولا اختلاق ، وإعذارا منه به إلى أهل النفاق منهم ؛ ليحذروا بشكهم في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحل بهم من بأسه وسطوته مثل الذي أحلهما بأسلافهم الذين كانوا في القرية التي أهلكها ، فتركها خاوية على عروشها .

ثم عاد - تعالى ذكره - إلى الخبر عن ( الذي يقرض الله قرضا حسنا ) وما عنده له من الثواب على قرضه فقال : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) يعني بذلك مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم ( كمثل حبة ) من حبات الحنطة أو الشعير ، أو غير ذلك من نبات الأرض التي تسنبل ريعها بذرها زارع . " فأنبتت " يعني : فأخرجت ( سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) يقول : فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله ، له أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته . كما : -

6028 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فهذا لمن أنفق في سبيل الله ، فله أجره سبعمائة . .

6029 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) قال : هذا الذي ينفق على نفسه في سبيل الله ويخرج . [ ص: 514 ]

6030 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) الآية ، فكان من بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ، ورابط مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، ولم يلق وجها إلا بإذنه ، كانت الحسنة له بسبعمائة ضعف ، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وهل رأيت سنبلة فيها مائة حبة أو بلغتك فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله ؟ .

قيل : إن يكن ذلك موجودا فهو ذاك ، وإلا فجائز أن يكون معناه : كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، إن جعل الله ذلك فيها .

ويحتمل أن يكون معناه : في كل سنبلة مائة حبة ، يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من المائة الحبة ، مضافا إليها ، [ ص: 515 ] لأنه كان عنها . وقد تأول ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6031 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ، قال : كل سنبلة أنبتت مائة حبة ، فهذا لمن أنفق في سبيل الله : ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية