الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
رجوع إلى ذكر بقية الوجوه من الأدلة العقلية والنقلية على بطلان التقليد

الوجه العشرون: أن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وهدي أصحابه، وأحوال أئمتهم، وسلكوا ضد طريق أهل العلم.

أما أمر الله، فإنه أمر برد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله. والمقلدون قالوا: إنما نرده إلى من قلدنا.

[ ص: 300 ] وأما أمر رسوله ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ، أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين، وأمر أن يتمسك بها، ويعض عليها بالنواجذ.

وقال المقلدون: بل عند الاختلاف نتمسك بقول من قلدناه، ونقدمه على كل ما عداه .

وأما هدي الصحابة، فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلا في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة، بحيث لا يرد من أقواله شيئا، ولا يقبل من أقوالهم شيئا، وهذا من أعظم البدع، وأقبح الحوادث.

وأما مخالفتهم لأئمتهم، فإن الأئمة نهوا عن تقليدهم، وحذروا منه كما تقدم ذكر بعض ذلك عنهم.

وأما سلوكهم ضد طريق أهل العلم، فإن طريقهم طلب أقوال العلماء، وضبطها، والنظر فيها، وعرضها على القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأقوال خلفائه الراشدين.

فما وافق ذلك منهم، قبلوه، ودانوا الله به، وقضوا به، وأفتوا به.

وما خالف ذلك منها، لم يلتفتوا إليه، وردوه.

وما لم يتبين لهم، كان عندهم من مسائل الاجتهاد، التي غايتها أن تكون سائغة الاتباع، لا واجبة الاتباع، من غير أن يلزموا بها أحدا، ولا يقولوا: إنها الحق دون ما خالفها. هذه طريقة أهل العلم سلفا وخلفا.

وأما هؤلاء الخلف، فعكسوا الطريق، وقلبوا أوضاع الدين، فزيفوا كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وأقوال خلفائه، وجميع أصحابه، فعرضوها على أقوال من قلدوه.

فما وافقها منها، قالوا: لنا، وانقادوا له مذعنين، وما خالف أقوال متبوعهم منها، قالوا: احتج الخصم بكذا وكذا، ولم يقبلوه، ولم يدينوا به .

[ ص: 301 ] واحتال فضلاؤهم في ردها بكل ممكن، وتطلبوا لها وجوه الحيل التي تردها.

حتى إذا كانت موافقة لمذهبهم، وكانت تلك الوجوه بعينها، قائمة فيها، شنعوا على منازعهم، وأنكروا عليه ردها بمثل تلك الوجوه بعينها وقالوا: لا ترد النصوص بمثل هذا.

ومن له همة تسمو إلى الله ومرضاته، ونصر الحق الذي بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، أين كان، ومع من كان، لا يرضى لنفسه بمثل هذا المسلك الوخيم، والخلق الذميم.

الوجه الحادي والعشرون: أن الله سبحانه ذم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [الروم: 32]، وهؤلاء هم أهل التقليد بأعيانهم، بخلاف أهل العلم، فإنهم - وإن اختلفوا - لم يفرقوا دينهم، ولم يكونوا شيعا، بل شيعة واحدة، متفقة على طلب الحق، وإيثاره عند ظهوره، وتقديمه على كل ما سواه.

فهم طائفة واحدة، قد اتفقت مقاصدهم وطريقهم، فالطريق واحد، والقصد واحد.

والمقلدون بالعكس، مقاصدهم شتى، وطرقهم مختلفة، فليس مع الأئمة في القصد، ولا في الطريق .

الوجه الثاني والعشرون: أن الله سبحانه ذم الذين تقطعوا أمرهم بينهم زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون.

و"الزبر" : الكتب المصنفة، التي رغبوا بها عن كتاب الله، وما بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون [المؤمنون: 51- 53].

[ ص: 302 ] فأمر تعالى الرسل بما أمر به أممهم: أن يأكلوا من الطيبات، وأن يعملوا صالحا، وأن يعبدوه وحده، ويطيعوا أمره وحده، وألا يتفرقوا في الدين.

فمضت الرسل وأتباعهم على ذلك، ممتثلين لأمر الله، قابلين لرحمته.

حتى نشأت خلوف، قطعوا أمرهم بينهم زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون .

فمن تدبر هذه الآيات، ونزلها على الواقع، تبين له حقيقة الحال، وعلم من أي الحزبين هو، والله المستعان.

الوجه الثالث والعشرون: أن الله سبحانه قال: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران: 104]، فخص هؤلاء بالفلاح دون من عداهم.

والداعون إلى الخير هم الداعون إلى كتاب الله وسنة رسوله، لا الداعون إلى رأي فلان.

الوجه الرابع والعشرون: أن الله سبحانه ذم من إذا دعي إلى الله ورسوله، أعرض ورضي بالتحاكم إلى غيره، وهذا شأن أهل التقليد.

قال تعالى: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء: 61].

فكل من أعرض عن الداعي له إلى ما أنزل الله ورسوله إلى غيره، فله نصيب من هذا الذم، فمستكثر ومستقل.

الوجه الخامس والعشرون: أن يقال لفرقة التقليد :

دين الله - عندكم - قول واحد، أو هو في القول وضده؟ فدينه هو الأقوال المتضادة التي يناقض بعضها بعضا، ويبطل بعضها بعضا، كلها دين الله؟

فإن قال: بل هذه الأقوال المتضادة المتعارضة، التي يناقض بعضها بعضا كلها دين الله، خرجوا عن نصوص أئمتهم; فإن جميعهم على أن الحق في واحد من الأقوال، كما أن القبلة في جهة من الجهات .

[ ص: 303 ] وخرجوا عن نصوص القرآن، والسنة، والمعقول الصريح، وجعلوا دين الله تابعا لآراء الرجال.

وإن قالوا: الصواب الذي لا صواب غيره: أن دين الله واحد، وهو ما أنزل الله به كتابه، وأرسل به رسله، وارتضاه لعباده، كما أن نبيه واحد، وقبلته واحدة، فمن وافقه، فهو المصيب، وله أجران، ومن أخطأه، فله أجر واحد على اجتهاده، لا على خطئه .

قيل لهم: فالواجب إذا طلب الحق، وبذل الاجتهاد في الوصول إليه بحسب الإمكان; لأن الله سبحانه أوجب على الخلق تقواه، بحسب الاستطاعة، وتقواه: فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه.

فلا بد أن يعرف العبد ما أمر به ليفعله، وما نهي عنه ليجتنبه، وما أبيح له ليأتيه.

ومعرفة هذا، لا تكون إلا بنوع اجتهاد، وطلب، وتحر للحق.

فإذا لم يأت بذلك، فهو في عهدة الأمر، ويلقى الله ولما يقض ما أمره.

الوجه السادس والعشرون: أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم- عامة لمن كان في عصره، ولمن يأتي بعده إلى يوم القيامة.

والواجب على من بعد الصحابة هو الواجب عليهم بعينه، وإن تنوعت صفاته وكيفياته باختلاف الأحوال.

ومن المعلوم - بالاضطرار - أن الصحابة لم يكونوا يعرضون ما يسمعون منه صلى الله عليه وسلم- على أقوال علمائهم، بل لم يكن لعلمائهم قول غير قوله، ولم يكن أحد منهم يتوقف في قبول ما سمعه منه على موافقة موافق، أو رأي ذي رأي أصلا، وكان هذا هو الواجب الذي لا يتم الإيمان إلا به.

وهو بعينه الواجب علينا وعلى سائر المكلفين إلى يوم القيامة .

ومعلوم أن هذا الواجب لم ينسخ بعد موته، ولا هو مختص بالصحابة، فمن خرج عن ذلك، فقد خرج عن نفس ما أوجبه الله ورسوله.

[ ص: 304 ] الوجه السابع والعشرون: أن أقوال العلماء وآراءهم، لا تنضبط ولا تنحصر، ولم يضمن لها العصمة إلا إذا اتفقوا ولم يختلفوا، فلا يكون اتفاقهم إلا حقا.

ومن المحال أن يحيلنا الله ورسوله على ما لا ينضبط ولا ينحصر، ولم يضمن لنا عصمته من الخطأ، ولم يقم لنا دليلا على أن أحد القائلين أولى بأن نأخذ قوله كله من الآخر، بل يترك قول هذا كله، ويؤخذ قول هذا كله، محال أن يشرعه الله، أو يرضى به إلا إذا كان أحد القائلين رسولا، والآخر كاذبا على الله، فالفرض حينئذ، ما يعتمده هؤلاء المقلدون مع متبوعهم ومخالفيهم.

الوجه الثامن والعشرون: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ" .

وأخبر أن العلم يقل، فلا بد من وقوع ما أخبر به الصادق .

ومعلوم أن كتب المقلدين، قد طبقت شرق الأرض وغربها، ولم تكن في وقت قط أكثر منها في هذا الوقت، ونحن نراها كل عام في ازدياد وكثرة، والمقلدون يحفظون منها ما يمكن حفظه بحروفه.

وشهرتها في الناس خلاف الغربة، بل هي المعروف الذي لا يعرفون غيره .

فلو كانت هي العلم الذي بعث الله به رسوله ، لكان الدين كل وقت في ظهور [و] زيادة، والعلم في شهرة وظهور، وهو خلاف ما أخبر به الصادق.

الوجه التاسع والعشرون: أن الاختلاف كثير في كتب المقلدين وأقوالهم.

وما كان من عند الله، فلا اختلاف فيه، بل هو حق يصدق بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض.

وقد قال تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

الوجه الثلاثون: أنه لا يجب على العبد أن يقلد زيدا دون عمرو، بل يجوز له الانتقال من تقليد هذا إلى تقليد الآخر عند المقلدين .

فإن كان قول من قلده أولا هو الحق لا سواه، فقد جوزتم له الانتقال عن الحق إلى خلافه، وهذا محال.

[ ص: 305 ] وإن كان الثاني هو الحق وحده، فقد جوزتم الإقامة على خلاف الحق .

وإن قلتم: القولان المتضادان المتناقضان حق، فهو أشد حالة، ولا بد لكم من قسم من هذه الأقسام الثلاثة.

الوجه الحادي والثلاثون: أن يقال للمقلد: بأي شيء عرفت أن الصواب مع من قلدته دون من لا تقلده؟

فإن قال: عرفته بالدليل، فليس بمقلد، وإن قال: عرفته تقليدا له، فإنه أفتى بهذا القول، ودان به، وعلمه ودينه وحسن ثناء الأمة عليه، يمنعه أن يقول غير الحق.

قيل له: أفمعصوم هو عندك، أم يجوز عليه الخطأ؟

فإن قال بعصمته، أبطل، وإن جوز عليه الخطأ، قيل له: فما يؤمنك أن يكون قد أخطأ فيما قلدته فيه، وخالف فيه غيره؟

فإن قال: وإن أخطأ فهو مأجور، قيل: أجل هو مأجور لاجتهاده، وأنت غير مأجور; لأنك لم تأت بموجب الأجر، بل قد فرطت في الاتباع الواجب، فأنت إذا مأزور.

فإن قال: كيف يأجره الله على ما أفتى به، ويمدحه عليه، ويذم المستفتي على قبوله منه، وهل يعقل هذا؟

قيل: المستفتي إن قصر وفرط في معرفة الحق، مع قدرته عليه، لحقه الذم والوعيد.

وإن بذل جهده، ولم يقصر فيما أمر به، واتقى الله ما استطاع، فهو مأجور أيضا.

وأما المتعصب الذي جعل قول متبوعه عيارا على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، يزنها بها، فما وافق قول متبوعه منها قبله، وما خالفه رده، فهذا إلى الذم والعقاب أقرب منه إلى الأجر والثواب .

[ ص: 306 ] وإن قال - وهو الواقع -: اتبعته وقلدته، ولا أدري، أعلى صواب هو، أم لا، فالعهدة على القائل، وأنا حاك لأقواله.

قيل له: فهل تتخلص بهذا من الله عند السؤال لك عما حكمت به بين عباد الله وأفتيتهم به؟

فوالله! إن للحكام والمفتين لموقفا للسؤال، لا يتخلص فيه إلا من عرف الحق، وحكم به، وعرفه، وأفتى به.

وأما من عداهما، فسيعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء .

الوجه الثاني والثلاثون: أن نقول: أخذتم بقول فلان; لأن فلانا قاله، أو لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله؟

فإن قلتم: لأن فلانا قاله، جعلتم قول فلان حجة، وهذا عين الباطل .

وإن قلتم: لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله، كان هذا أعظم وأقبح; فإنه - مع تضمنه الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقويلكم عليه ما لم يقله، وهو أيضا كذب على المتبوع ; فإنه لم يقل: هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

فقد دار قولكم بين أمرين لا ثالث لهما: 1- إما جعل قول غير المعصوم حجة. 2- وإما تقويل المعصوم ما لم يقله، ولا بد من واحد من الأمرين.

فإن قلتم: بل منهما بد، وبقي قسم ثالث، وهو أنا قلنا كذا; لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا أن نتبع من هو أعلم منا، ونسأل أهل الذكر إن كنا لا نعلم، ونرد ما لم نعلمه إلى استنباط أولي العلم، فنحن في ذلك متبعون ما أمرنا به نبينا .

قيل: وهل ندندن إلا حول اتباع أمره صلى الله عليه وسلم-؟ فحيهلا بالموافقة على هذا الأصل الذي لا يتم الإيمان والإسلام إلا به.

فنناشدكم بالذي أرسله، إذا جاء أمره، وجاء قول من قلدتموه، هل تتركون [ ص: 307 ] قوله لأمره صلى الله عليه وسلم-، وتضربون به الحائط، وتحرمون الأخذ به والحالة هذه حتى تتحقق المتابعة كما زعمتم؟ أم تأخذون بقوله، وتفوضون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم- إلى الله، وتقولون: هو أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منا، ولم يخالف هذا الحديث إلا وعنده منسوخ أو معارض بما هو أقوى منه، أو غير صحيح عنده، فتجعلون قول المتبوع محكما، وقول الرسول متشابها؟

فلو كنتم قائلين بقوله ; لكون الرسول أمركم بالأخذ بقوله، لقدمتم قول الرسول أين كان.

ثم نقول في الوجه الثالث والثلاثين: وأين أمركم الرسول بأخذ قول واحد من الأمة بعينه، وترك قول نظيره؟ ومن هو أعلم منه وأقرب إلى الرسول؟

وهل هذا إلا نسبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه أمر بما لم يأمر به قط.

يوضحه الوجه الرابع والثلاثون: أن مما ذكرتم بعينه، حجة عليكم.

فإن الله سبحانه أمر بسؤال أهل الذكر، والذكر هو القرآن والحديث الذي أمر الله نساء نبيه أن يذكرنه بقوله: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [الأحزاب: 34] ; فهذا هو الذكر الذي أمرنا باتباعه، وأمر من لا علم عنده أن يسأل أهله .

وهذا هو الواجب على كل أحد أن يسأل أهل العلم بالذكر الذي أنزله على رسوله ليخبروه به.

فإذا أخبروه به، لم يسعه غير اتباعه، وهذا كان شأن أئمة أهل العلم، لم يكن لهم مقلد معين يتبعونه في كل ما قال.

فكان عبد الله بن عباس يسأل الصحابة عما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أو فعله، أو سنه، لا يسألهم عن غير ذلك.

وكذلك الصحابة كانوا يسألون أمهات المؤمنين، خصوصا عائشة، عن فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته .

وكذلك التابعون كانوا يسألون الصحابة عن شأن نبيهم فقط .

[ ص: 308 ] وكذلك أئمة الفقه كما قال الشافعي لأحمد: يا أبا عبد الله! أنت أعلم بالحديث مني، فإذا صح الحديث، فأعلمني حتى أذهب إليه، شاميا كان أو كوفيا، أو بصريا.

ولم يكن أحد من أهل العلم قط يسأل عن رأي رجل بعينه ومذهبه، فيأخذ به وحده، ويخالف له ما سواه .

الوجه الخامس والثلاثون: أن النبي صلى الله عليه وسلم- إنما أرشد المستفتين كصاحب الشجة، بالسؤال عن حكمه وسننه، فقال: "قتلوه قتلهم الله" ، فدعا عليهم حين أفتوا بغير علم.

وفي هذا تحريم الإفتاء بالتقليد; فإنه ليس علما باتفاق الناس، فإن ما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فاعله، فهو حرام، وذلك أحد أدلة التحريم .

فما احتج به المقلدون هو من أكبر الحجج عليهم، والله الموفق.

وكذلك سؤال أبي العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره لأهل العلم، فإنهم لما أخبروه بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البكر الزاني، أقره على ذلك، ولم ينكره، فلم يكن ثم سؤالهم عن رأيهم ومذاهبهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية