الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم

                                                                                                                                                                                                                                        (73 - 74 ) يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض، فلا ينزلون مطرا، ولا رزقا، ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون؛ فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات الذي له الملك كله والحمد كله والقوة كلها؟!! ولهذا قال: فلا تضربوا لله الأمثال المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم، وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال؛ فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: عبد مملوك أي: رقيق لا يملك نفسه ولا يملك من المال والدنيا شيئا، والثاني: حر غني قد رزقه الله منه رزقا حسنا من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان، فهو ينفق منه سرا وجهرا، هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان مع أنهما مخلوقان، غير محال استواؤهما؛ فإذا كانا لا يستويان، فكيف يستوي المخلوق العبد الذي ليس له ملك ولا قدرة ولا استطاعة، بل هو فقير من جميع الوجوه بالرب الخالق المالك لجميع الممالك، القادر على كل شيء؟!! ولهذا حمد نفسه واختص بالحمد بأنواعه فقال: الحمد لله فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك؛ فلم سوى المشركون آلهتهم بالله؟ قال: بل أكثرهم لا يعلمون فلو علموا حقيقة العلم لم يتجرؤوا على الشرك العظيم.

                                                                                                                                                                                                                                        (76 ) والمثل الثاني مثل رجلين أحدهما أبكم لا يسمع ولا ينطق و لا يقدر على شيء لا قليل ولا كثير وهو كل على مولاه أي: يخدمه مولاه، ولا يستطيع هو أن يخدم نفسه؛ فهو ناقص من كل وجه، فهل يستوي هذا ومن [ ص: 893 ] كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، فأقواله عدل وأفعاله مستقيمة، فكما أنهما لا يستويان؛ فلا يستوي من عبد من دون الله وهو لا يقدر على شيء من مصالحه، فلولا قيام الله بها لم يستطع شيئا منها، ولا يكون كفوا وندا لمن لا يقول إلا الحق، ولا يفعل إلا ما يحمد عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية