الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قاعدة : إذا تعذرت العدالة في الولاية العامة والخاصة بحيث لا يوجد عدل ، ولينا أقلهم فسوقا وله أمثلة : - أحدها : إذا تعذر في الأئمة فيقدم أقلهم فسوقا عند الإمكان ، فإذا كان الأقل فسوقا يفرط في عشر المصالح العامة مثلا وغيره يفرط في خمسها لم تجز تولية من يفرط في الخمس فما زاد عليه ، ويجوز تولية من يفرط في العشر ، وإنما جوزنا ذلك لأن حفظ تسعة الأعشار بتضييع العشر أصلح للأيتام ولأهل الإسلام من تضييع الجميع ، ومن تضييع الخمس أيضا ، فيكون هذا من باب دفع أشد المفسدتين بأخفهما ، ولو تولى الأموال العامة محجور عليه بالتبذير نفذت تصرفاته العامة إذا وافقت الحق للضرورة ، ولا ينفذ تصرفه لنفسه ، إذ لا موجب لإنقاذه مع خصوص مصلحته ، ولو ابتلي الناس بتولية امرأة أو صبي مميز يرجع إلى رأي العقلاء فهل ينفذ تصرفهما العام فيما يوافق الحق كتجنيد الأجناد وتولية القضاة والولاة ؟ ففي ذلك وقفة .

ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة ، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة ، إذ يبعد عن رحمة الشرع ورعايته لمصالح عباده تعطيل [ ص: 86 ] المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة ، لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها ، وفي ذلك احتمال بعيد .

المثال الثاني : الحكام إذا تفاوتوا في الفسوق قدمنا أقلهم فسوقا ، لأنا لو قدمنا غيره لفات مع المصالح ما لنا عنه مندوحة ، ولا يجوز تفويت مصالح الإسلام إلا عند تعذر القيام بها ، ولو لم يجوز هذا وأمثاله لضاعت أموال الأيتام كلها ، وأموال المصالح بأسرها . وقد قال الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } . ولو فاتت العدالة في شهود الحكام ففي هذا وقفة ، من جهة أن مصلحة المدعي معارضة بمفسدة المدعى عليه ، والمختار أنه لا يقبل ، لأن الأصل عدم الحقوق المتعلقة بالذمم والأبدان ، والظاهر مما في الأيدي لأربابها .

المثال الثالث : إذا تعذرت العدالة في ولاية الأيتام فيختص بها أقلهم فسوقا فأقلهم ، لأن حفظ البعض أولى من تضييع الكل ، فإذا كان مال اليتيم ألفا وأقل ولاية فسوقا يخون في مائة من الألف ويحفظ الباقي لم يجز أن يدفع إلى من يخون في مائتين فما زاد عليها .

المثال الرابع : فوات العدالة في المؤذنين والأئمة يقدم فيها الفاسق على الأفسق تحصيلا للمصالح على حسب الإمكان .

المثال الخامس : إذا تفاوتت رتب الفسوق في حق الأئمة قدمنا أقلهم فسوقا ، مثل إن كان فسق أحد الأئمة بقتل النفوس وفسق الآخر بانتهاك حرمة الأبضاع ، وفسق الآخر بالتضرع للأموال ، قدمنا المتضرع للأموال على المتضرع للدماء والأبضاع ، فإن تعذر تقديمه قدمنا المتضرع للأبضاع على من يتعرض للدماء ، وكذلك يترتب التقديم على الكبير من الذنوب والأكبر والصغير منها والأصغر على اختلاف رتبها . [ ص: 87 ]

فإن قيل : أيجوز القتال مع أحدهما لإقامة ولايته وإدامة تصرفه مع إعانته على معصيته ؟ قلنا : نعم دفعا لما بين مفسدتي الفسوقين من التفاوت ودرءا للأفسد فالأفسد ، وفي هذا وقفة وإشكال من جهة أنا نعين الظالم على فساد الأموال دفعا لمفسدة الأبضاع وهي معصية .

وكذلك نعين الآخر على إفساد الأبضاع دفعا لمفسدة الدماء وهي معصية ، ولكن قد يجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة كما ، تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة .

المثال السادس : إذا لم تجد المرأة وليا ولا حاكما فهل لها أن تحكم أجنبيا يزوجها ؟ أو تفوض إليه التزويج من غير تحكيم ؟ فيه اختلاف ، ومبنى هذه المسائل كلها على الضرورات ومسيس الحاجات ، وقد يجوز في حال الاضطرار ما لا يجوز في حال الاختيار ، كما يجوز لمن ظفر بمال غريمه الجاحد لدينه أن يأخذ من ماله مثل حقه ، فإن كان من غير جنسه فله أن يأخذه ويبيعه .

وكذلك مسألة هروب الجمال وتركه الجمال ، كذلك الالتقاط وتخيير الملتقط في التمليك بعد التعريف المعتبر ، وكذلك أكل المضطر الطعام بغير إذن ربه .

التالي السابق


الخدمات العلمية