الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ واجبات ( نظام الملك وما عليه ]

        فأقول :

        537 - حقوق الله تعالى على عبيده على قدر النعم ، والهموم بقدر الهمم ، وأنعم الله إذا لم تشكر نقم ، والموفق من تنبه لما له وعليه ، قبل أن تزل به القدم ، وحظوظ الدنيا خضراء الدمن ، لا تبقى على مكر الزمن ، والمسدد من نظر في أولاه لعاقبته ، وتزود من مكنته في دنياه لآخرته .

        [ ص: 377 ] [ أ - الإحاطة بالأخبار والأحوال ] 538 - فمما أعرضه على الجناب العالي أمر يعظم وقعه على [ اعتقاب ] الأيام والليالي ، وهو الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار فإن النظر في أمور الرعايا يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا ، وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف ، وأسبلت العماية دون معرفتها أسداد الأعراف ، ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية على صفة الإشراق والإشراف .

        امتدت أيدي الظلمة ( 200 ) إلى الضعفة بالإهلاك والإتلاف [ والثلة ] إذا نام عنها راعيها عاشت طلس الذئاب فيها ، وعسر تداركها وتلافيها ، والتيقظ والخبرة أس الإيالة ، وقاعدة الإمرة ، وإذا عمى المعتدون أخبارهم ، أنشبوا في المستضعفين أظفارهم ، واستجرؤوا [ ثم ] على الاعتداء .

        ثم طمسوا عن مالك الأمر آثارهم ويخون حينئذ المؤتمن ، ويغش الناصح ، وتشيع المخازي والفضائح ، وتبدو [ ص: 378 ] في أموال بيت المال دواعي الاختزال والاستزلال والغلول ، ويمحق في أدراج خمل الخمول ، وقد يفضي الأمر إلى ثوران الثوار في أقاصي الديار ، واستمرار تطاير شرار الأشرار ، وليس من الحزم الثقة بمواتاة الأقدار والاستنامة إلى مدار الفلك الدوار ، فقد يثور المخدور من مكمنه ، ويؤتى الوادع الآمن من مأمنه ، ثم ما أهون البحث والتنقير على من إليه مقاليد التدبير .

        539 - على أن هذا الخطب الخطير قريب المدرك يسير ، فلو اصطنع صدر الدين والدنيا من كل بلدة زمرا من الثقات على ما يرى ، ورسم لهم أن ينهوا إليه تفاصيل ما جرى ، فلا يغادروا نفعا ولا ضرا إلا بلغوه اختفاء وسرا ، لتوافت دقائق الأخبار وحقائق الأسرار على مخيم العز غضة طرية ، وتراءت للحضرة [ ص: 379 ] العلية مجاري الأحوال في الأعمال القصية .

        فإذا استشعر أهل الخبل والفساد أنهم من صاحب الأمر بالمرصاد ، آثروا الميل طوعا أو كرها ، إلى مسالك الرشاد ، وانتظمت أمور البلاد والعباد .

        وما ذكرته - لو قدر الله - نتيجة خطرة وفكرة ، وموجب التفاتة من الرأي السامي ونظرة .

        وهذا ( 201 ) الذي رمزت إليه على قرب مدركه ويسره [ مدرأة ] لغائلة كل أمر وعسره ، من غير بذل مؤنة ، واستمداد معونة .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية