الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج أحمد ، وابن أبي حاتم والطبراني ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس ، قال : [ ص: 174 ] يا نبي الله ، وهل للإنس شياطين ؟ قال : نعم شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن أبي ذر قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن ، قلت : يا رسول الله ، وللإنس شياطين ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن قال : إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم ، فيلتقي شيطان الإنس وشيطان الجن فيقول هذا لهذا : أضلله بكذا ، وأضلله بكذا ، فهو قوله يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وقال ابن عباس : الجن هم الجان وليسوا بشياطين ، والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس ، والجن [ ص: 175 ] يموتون ، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن مسعود قال : الكهنة هم شياطين الإنس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : يوحي بعضهم إلى بعض قال : شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، فإن الله تعالى يقول : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم [الأنعام : 121] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : شياطين الإنس والجن قال : من الإنس شياطين، ومن الجن شياطين يوحي بعضهم إلى بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : زخرف القول غرورا يقول : بورا من القول .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : زخرف القول غرورا . قال : يحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو نصر السجزي في الإبانة ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في الآية قال : شياطين [ ص: 176 ] الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، كفار الإنس زخرف القول غرورا قال : تزيين الباطل بالألسنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : زخرف القول قال : زخرفوه وزينوه غرورا قال : يغرون به الناس والجن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن زيد في الآية قال : الزخرف المزين حيث زين لهم ، هذا الغرور ، كما زين إبليس لآدم ما جاء به ، وقاسمه إنه لمن الناصحين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ولتصغى لتميل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ولتصغى إليه أفئدة قال : تزيغ ، وليقترفوا قال : ليكتسبوا .

                                                                                                                                                                                                                                      [158و] وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي في قوله : ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة قال : لتميل إليه قلوب الكفار وليرضوه قال : يحبوه ، وليقترفوا ما هم مقترفون يقول : ليعملوا ما هم عاملون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 177 ] وأخرج الطستي ، وابن الأنباري ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : زخرف القول غرورا قال : باطل القول غرورا . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أوس بن حجر وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                                      لم يغروكم غرورا ولكن يرفع الآل جمعكم والزهاء



                                                                                                                                                                                                                                      وقال زهير بن أبي سلمى :


                                                                                                                                                                                                                                      فلا يغرنك دنيا إن سمعت بها     عند امرئ سروه في الناس مغمور



                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأخبرني عن قوله : ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون ما تصغى؟ قال : ولتميل إليه ، قال فيه القطامي :


                                                                                                                                                                                                                                      واذا سمعن هماهما من رفقة     ومن النجوم غوابر لم تخفق


                                                                                                                                                                                                                                      أصغت إليه هجائن بخدودها     آذانهن إلى الحداة السوق



                                                                                                                                                                                                                                      قال : أخبرني عن قوله : وليقترفوا ما هم مقترفون قال : ليكتسبوا [ ص: 178 ] ما هم مكتسبون ، فإنهم يوم القيامة يجازون بأعمالهم ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                                      وإني لآتي ما أتيت وإنني     لما اقترفت نفسي علي لراهب



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية