الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          النوع الثاني : البقر ، ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ، فيجب فيها تبيع أو تبيعة ، وهي التي لها سنة ، وفي أربعين مسنة ، وهي التي لها سنتان ، وفي الستين تبيعان ، ثم في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ، ولا يجزئ الذكر في الزكاة في غير هذا إلا ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها إلا أن يكون النصاب كله ذكورا ، فيجزئ الذكر في الغنم وجها واحدا ، والإبل والبقر في أحد الوجهين . ومن الإبل والبقر في أحد الوجهين ، ويؤخذ من الصغار صغيرة ، ومن المراض مريضة .

                                                                                                                          وقال أبو بكر : لا يؤخذ إلا كبيرة صحيحة على قدر المال ، فإن اجتمع صغار وكبار ، وصحاح ومراض ، وذكور وإناث ، لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين ، وإن كان نوعين كالبخاتي والعراب ، والبقر والجواميس ، والضأن والمعز ، أو كان فيه كرام ولئام ، وسمان ومهازيل ، أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( النوع الثاني : البقر ) وهو اسم جنس ، والبقرة تقع على الأنثى والذكر ، ودخلت الهاء على أنها واحدة من جنس ، والبقرات : الجمع ، والباقي جماعة البقر مع رعاتها ؛ وهي مشتقة من بقرت الشيء إذا شققته ؛ لأنها تبقر الأرض بالحراثة ، والأصل في وجوبها أحاديث ، منها ما روى معاذ : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن ، وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر " رواه أحمد ، ولفظه له ، وأبو داود وغيرهما وصححه بعضهم ، وقال : على شرط الشيخين ، وإنما لم يذكر في خبر الصدقة لقلتها في الحجاز ، إذ يندر ملك نصاب منها ، بل لا يوجد ، ولما أرسل معاذا إلى اليمن ذكر له حكمها لوجودها ولا خلاف في وجوبها ( ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ) وهي أقل نصابها ( فيجب فيها تبيع ) سمي به ؛ لأنه يتبع أمه ؛ وهو جذع البقر الذي استوى قرناه ، وحاذى قرنه أذنه غالبا ( أو تبيعة ؛ وهي التي لها سنة ) وعبارة " الفروع " لكل منها سنة ، وذكره الأكثر ، وفي " الأحكام السلطانية " نصف سنة ، وقال ابن أبي موسى : سنتان ( وفي أربعين مسنة ) ؛ لأنها ألقت سنا غالبا ؛ وهي الثنية ( وهي التي لها سنتان ) وفي " الأحكام السلطانية " سنة ، وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع ، ولا يجزئ عنها مسن ، بل عن الأولين ، وقيل : يجزئ عنها [ ص: 319 ] تبيعان ( وفي الستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ) وقاله الأكثر ، لما روى أحمد بإسناده عن يحيى بن الحكم عن معاذ قال : " بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن الستين تبيعين ، ومن السبعين مسنة وتبيعا ، ومن الثمانين مسنتين ، ومن التسعين ثلاثة أتباع ، ومن المائة مسنة وتبيعين ، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعا ، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات وأربعة أتباع ، وأمرني أن لا آخذ مما بين ذلك شيئا ، إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا " ، وظاهره أنها إذا بلغت مائة وعشرين اتفق فيها الفرضان كالإبل ، ونص أحمد هنا على التخير .



                                                                                                                          ( ولا يجزئ الذكر في الزكاة ) إذا كانت ذكورا أو إناثا ؛ لأن الأنثى أفضل ، لما فيها من الدر والنسل ، وقد نص الشارع على اعتبارها في الإبل في الأربعين من البقر ( في غير هذا ) إذ التبيع مكان التبيعة ؛ للنص السابق ؛ ولأنه أكثر لحما فتعادل الأنوثة ( إلا ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها ) ؛ لأنه يمتنع من صغار السباع ، ويرعى الشجر فيجزئ بنفسه ، ويرد الماء ، لكن ليس بأصل لكونه لا يجزئ مع وجودها ، بخلاف التبيع فيجزئ في الثلاثين ، وما تكرر منها كالستين ، وأما الأربعون وما تكرر منها كالثمانين ، فلا يجزئ في فرضها إلا الإناث لنص الشارع عليها ، إلا أن يخرج عن المسنة تبيعين ، فيجزئ ، ذكره في " الشرح " ( إلا أن يكون النصاب كله ذكورا ، فيجزئ الذكر في الغنم وجها واحدا ) ؛ لأن الزكاة مواساة ، فلا يكلفها من غير الجنس ، وقيل : لا فيخرج أنثى بقيمة [ ص: 320 ] الذكر ( و ) يجزئ ( من الإبل والبقر في أحد الوجهين ) هذا المذهب جزم به في " الوجيز " لما سبق .

                                                                                                                          الثاني : لا يجزئ فيهما ؛ لأن الشارع نص على الأنثى ؛ وهي أفضل ، ففي العدول عنها عدول عن المنصوص ، وصحح في " الكافي " ، و " الشرح " الإجزاء في البقر ؛ لأنه قد جوزنا الذكر في الغنم مع أنه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإناث ، فالبقر التي فيها مدخل أولى .

                                                                                                                          وفي الإبل وجهان أحدهما : يجزئ لما ذكر من المواساة .

                                                                                                                          والثاني : لا يجزئ لإفضائه إلى إخراج ابن لبون عن خمس وعشرين ، وست وثلاثين ، وفيه تسوية بين النصابين ، فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر ، وعلى الأول يخرج ابن لبون عن النصابين ، ويكون التعديل بالقيمة ، والفرق أن الشارع أطلق الشاة الواجبة ، ونص على الأنثى من الإبل والبقر ( ويؤخذ من الصغار صغيرة ) نص عليه ، لقول أبي بكر : والله لو منعوني عناقا . . . الخبر ، ويتصور أخذها ، فإذا أبدل الكبار بالصغار أو بموت الإناث ، وتبقى الصغار ، وهذا على المشهور أن الحول ينعقد عليها مفردة ، وهذا في الغنم دون الإبل ، والبقر ، فلا يجزئ إخراجه فصلان وعجاجيل ، فيقوم النصاب من الكبار ، ويقوم فرضه ، ثم تقوم الصغار ، ويؤخذ عنها كبيرة بالقسط ، وقيل : يجزئ فيؤخذ من خمس وعشرين إلى إحدى وستين واحدة ، والتعديل بالقيمة مكانه زيادة السن ، ( ومن المراض مريضة ) ؛ لأنها وجبت مواساة ، وليس منها أن يكلف غير الذي في ماله ، ولا اعتبار بقلة العيب وكثرته ؛ لأن القيمة تأتي على ذلك ، [ ص: 321 ] لكون أن المخرج وسط القيمة ، ( وقال أبو بكر : لا يؤخذ ) فيهما ( إلا كبيرة صحيحة على قدر المال ) لقوله في رواية أحمد بن سعيد : لا يأخذ ما يجوز في الأضاحي . قال القاضي : وأومأ إليه في رواية ابن منصور ، وذكره الحلواني : ظاهر الخرقي لقول مصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أمرني أن لا آخذ من راضع شيئا ، إنما حقنا في الثنية والجذعة " ، ولقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة ، ولا تأخذها منهم ، وكشاة الإبل . فعلى هذا يكلف سواء كبيرة أو صحيحة بقدر قيمة الفرض لتحصل المواساة ، والأول أشهر ، وما ذكرناه محمول على ما إذا اشتمل على النوعين ، وشاة الإبل ليست من جنس المال ، فلا يرتفق المالك ، وهنا من جنسه ، فهو كالحبوب ( فإن اجتمع ) في النصاب ( صغار وكبار ، وصحاح ومراض ، وذكور وإناث ، لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين ) للنهي عن أخذ الصغير والمعيب والكريمة لقوله : "ولكن من وسط أموالكم " ؛ لتحصل المواساة ، فإذا كان قيمة المال المخرج إذا كان المزكى كله كبارا صحاحا عشرين ، وقيمته بالعكس عشرة ، وجب كبيرة صحيحة قيمتها خمسة عشر ، هذا مع تساوي العددين ، فلو كان الثلث أعلى ، والثلثان أدنى ، فشاة قيمتها ثلاثة عشر وثلث ، وبالعكس قيمتها ستة عشر وثلثان ( وإن كان نوعين كالبخاتي ) ، الواحد : بختي ، والأنثى بختية ، قال عياض : هي إبل غلاظ ذوات سنامين ( والعراب ) هي جرد ملس حسان الألوان كريمة ( والبقر ، والجواميس ) واحدها : جاموس ، قال موهوب : هو أعجمي تكلمت به العرب ( والضأن والمعز ، أو كان فيه كرام ) واحدها : كريم ، وذكر عياض في قوله : " واتق [ ص: 322 ] كرائم أموالهم " أنها جمع كريمة ؛ وهي الجامعة للكمال الممكن في حقها من غزارة لبن أو جمال صورة أو كثرة لحم أو صوف ، وقيل : هي التي يختصها مالكها لنفسه ويؤثرها ( ولئام ) واحدها لئيمة ؛ وهي ضد الكريمة ( وسمان ، ومهازيل ، أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين ) ؛ لأنها مع اتحاد الجنس هي المقصودة ، وذكره أبو بكر في هزيلة بقيمة سمينة ، وظاهره أنه مخير في أي الأنواع أحب ، سواء دعت إليه الحاجة أو لا ، لكن من كرام وسمان ، وضدهما يخرج وسطا ، نص عليه ، قدمه في " الفروع " ، وجزم به في " المحرر " ، وقيل : يخير الساعي ، ونقل حنبل من ضأن ومعز ، يخير الساعي لاتحاد الواجب ، ولم يعتبر أبو بكر القيمة في النوعين ، قال المجد : وهو ظاهر . نقل حنبل : ولا يلزمه من أكثرهما عددا ، وقد تضمن كلامه ضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة ، وخرج به الخرقي في الضأن والمعز ، وحكاه ابن المنذر إجماعا .

                                                                                                                          مسألة : إذا أخرج عن النصاب من غير نوعه ما ليس في ماله منه ، جاز إن لم ينقص قيمة المخرج عن النوع الواجب ، وعلى قول أبي بكر ، ولو نقصت ، وقيل : لا يجزئ هنا مطلقا كغير الجنس .




                                                                                                                          الخدمات العلمية