الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

كتاب الأقضية

وأصول هذا الكتاب تنحصر في ستة أبواب :

أحدها : في معرفة من يجوز قضاؤه .

والثاني : في معرفة ما يقضي به .

والثالث : في معرفة ما يقضي فيه .

[ ص: 768 ] والرابع : في معرفة من يقضي عليه أو له .

والخامس : في كيفية القضاء .

والسادس : في وقت القضاء .

الباب الأول

في معرفة من يجوز قضاؤه

والنظر في هذا الباب فيمن يجوز قضاؤه ، وفيما يكون به أفضل .

فأما الصفات المشترطة في الجواز
: فأن يكون حرا مسلما بالغا ذكرا عاقلا عدلا . وقد قيل في المذهب إن الفسق يوجب العزل ويمضي ما حكم به .

واختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد ، فقال الشافعي : يجب أن يكون من أهل الاجتهاد ومثله حكى عبد الوهاب عن المذهب ، وقال أبو حنيفة : يجوز حكم العامي .

قال القاضي : وهو ظاهر ما حكاه جدي رحمة الله عليه في المقدمات عن المذهب ; لأنه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة .

وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة ، فقال الجمهور : هي شرط في صحة الحكم ، وقال أبو حنيفة : يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال ، قال الطبري : يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء .

قال عبد الوهاب : ولا أعلم بينهم اختلافا في اشتراط الحرية .

فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الإمامة الكبرى ، وقاسها أيضا على العبد لنقصان حرمتها ، ومن أجاز حكمها في الأموال فتشبيها بجواز شهادتها في الأموال ، ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال : إن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى .

وأما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه ، ولا خلاف في مذهب مالك أن السمع والبصر والكلام مشترطة في استمرار ولايته وليس شرطا في جواز ولايته ، وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز ، فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم به ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطا في الجواز ، فهذا إذا ولي القضاء عزل ونفذ ما حكم به إلا أن يكون جورا . ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات .

ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدا . والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه ، وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يجز ، وإن شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان : الجواز والمنع ، قال : وإذا تنازع الخصمان في اختيار أحدهما وجب أن يقترعا عنده .

وأما فضائل القضاء فكثيرة ، وقد ذكرها الناس في كتبهم .

وقد اختلفوا في الأمي هل يجوز أن يكون قاضيا ؟ والأبين جوازه لكونه - عليه الصلاة والسلام - أميا ، وقال [ ص: 769 ] قوم : لا يجوز ، وعن الشافعي القولان جميعا ; لأنه يحتمل أن يكون ذلك خاصا به لموضع العجز ، ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم ، وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه لا خلاف أعرف فيه .

واختلفوا من هذا الباب في نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الأحكام ، فقال مالك : يجوز ، وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يجوز ، وقال أبو حنيفة : يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد .

التالي السابق


الخدمات العلمية