الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لولا ينهاهم الربانيون والأحبار قال الحسن : الربانيون علماء الإنجيل، والأحبار علماء التوراة، وقال غيره: كلهم في اليهود ؛ لأنه يتصل بذكرهم، و( لولا ) الداخلة على المضارع - كما قرره ابن الحاجب وغيره – للتحضيض، والداخلة على الماضي للتوبيخ، والمراد هنا تحضيض الذين يقتدي بهم أفناؤهم - ويعلمون قباحة ما هم فيه، وسوء مغبته - على نهي أسافلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      عن قولهم الإثم وأكلهم السحت مع علمهم بقبحهما، واطلاعهم على مباشرتهم لهما، وفي البحر: إن هذا التحضيض يتضمن توبيخهم على السكوت وترك النهي لبئس ما كانوا يصنعون الكلام فيه كالكلام السابق في نظيره، خلا أن هذا أبلغ مما تقدم في حق العامة؛ لما تقرر في اللغة والاستعمال أن الفعل ما صدر عن الحيوان مطلقا، فإن كان عن قصد سمي عملا، ثم إن حصل بمزاولة وتكرر حتى رسخ وصار ملكة له سمي صنعا وصنعة وصناعة، فلذا كان الصنع أبلغ لاقتضائه الرسوخ، ولذا يقال للحاذق: صانع، وللثوب الجيد النسج: صنيع، كما قاله الراغب ، ففي الآية إشارة إلى أن ترك النهي أقبح من الارتكاب، ووجه بأن المرتكب له في المعصية لذة وقضاء وطر بخلاف المقر له، ولذا ورد: إن جرم الديوث أعظم من الزانيين.

                                                                                                                                                                                                                                      واستشكل ذلك بأنه يلزم عليه أن ترك النهي عن الزنا والقتل أشد إثما منهما، وهو بعيد، وأجيب بأنه لا يبعد أن يكون إثم ترك النهي - ممن يؤثر نهيه كف المنهي عن فعل المنهي عنه - أشد من إثم المرتكب كيفما كان مرتكبه قتلا أو زنا أو غيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشهاب : إن قيد الأشدية يختلف بالاعتبار، فكونه أشد باعتبار ارتكاب ما لا فائدة له فيه ينافي كون المباشرة أكثر إثما منه، فتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الآية مما ينعى على العلماء توانيهم في النهي عن المنكرات ما لا يخفى، ومن هنا قال الضحاك : ما أخوفني من هذه الآية، وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم العدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ).

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية