الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 59 ] باب قضاء ما يفوت من الوتر والسنن الراتبة والأوراد

                                                                                                                                            940 - ( عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه الترمذي وزاد " أو إذا استيقظ " وأخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وإسناد الطريق التي أخرجه منها أبو داود صحيح كما قال العراقي ، وإسناد طريق الترمذي وابن ماجه ضعيف ، أوردها ابن عدي وقال : إنها غير محفوظة ، وكذا أوردها ابن حبان في الضعفاء ، وأخرجه الترمذي من طريق زيد بن أسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من نام عن وتره فليصل إذا أصبح } قال : وهذا أصح من الحديث الأول ، يعني حديث أبي سعيد .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عبد الله بن عمر عند الدارقطني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من فاته الوتر من الليل فليقضه من الغد } قال العراقي : وإسناده ضعيف .

                                                                                                                                            وله حديث آخر عند البيهقي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح فأوتر } .

                                                                                                                                            وعن أبي هريرة عند الحاكم والبيهقي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر } وصححه الحاكم على شرط الشيخين .

                                                                                                                                            وعن أبي الدرداء عند الحاكم والبيهقي بلفظ " ربما { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح } وصححه الحاكم .

                                                                                                                                            وعن الأغر المزني عند الطبراني في الكبير بلفظ { إن رجلا قال : يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر ، فقال : إنما الوتر بالليل ، فقال : يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر ، قال : فأوتر } وفي إسناده خالد بن أبي كريمة ، ضعفه ابن معين وأبو حاتم ، ووثقه أحمد وأبو داود والنسائي .

                                                                                                                                            وعن عائشة عند أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر } وإسناده حسن

                                                                                                                                            الحديث يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات ، وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عباس كذا قال العراقي . قال : ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن أبي سليمان

                                                                                                                                            ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة ثم اختلف هؤلاء : إلى متى يقضي ؟ على ثمانية أقوال : أحدها : ما لم يصل الصبح ، وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد [ ص: 60 ] وإسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة ، حكاه محمد بن نصر عنهم

                                                                                                                                            ثانيها : أنه يقضي الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح ، وبه قال النخعي . ثالثها : أنه يقضي بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال ، روي ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاوس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان .

                                                                                                                                            وروي أيضا عن ابن عمر

                                                                                                                                            رابعها : أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهارا حتى يصلي العصر فلا يقضيه بعده ويقضيه بعد المغرب إلى العشاء ، ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين وترين في ليلة ، حكي ذلك عن الأوزاعي . خامسها : أنه إذا صلى الصبح لا يقضيه نهارا لأنه من صلاة الليل ، ويقضيه ليلا قبل وتر الليلة المستقبلة ، ثم يوتر للمستقبلة روي ذلك عن سعيد بن جبير

                                                                                                                                            سادسها : أنه إذا صلى الغداة أوتر حيث ذكره نهارا ، فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن أوتر لم يوتر لأنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعا ، حكي ذلك عن الأوزاعي أيضا . سابعها : أنه يقضيه أبدا ليلا ونهارا ، وهو الذي عليه فتوى الشافعية

                                                                                                                                            ثامنها : التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان ، وبين أن يتركه عمدا ، فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ ، أو إذا ذكر في أي وقت كان ، ليلا أو نهارا ، وهو ظاهر الحديث ، واختاره ابن حزم ، واستدل بعموم قوله : صلى الله عليه وسلم { من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } قال : وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة ، وهو في الفرض أمر فرض ، وفي النفل أمر ندب . قال : ومن تعمد تركه حتى دخل الفجر فلا يقدر على قضائه أبدا . قال : فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبدا متى ذكره ولو بعد أعوام

                                                                                                                                            وقد استدل بالأمر بقضاء الوتر على وجوبه ، وحمله الجمهور على الندب ، وقد تقدم الكلام في ذلك .

                                                                                                                                            941 - ( وعن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر ، كتب له كأنما قرأه من الليل } رواه الجماعة إلا البخاري ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم { أنه كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة } ، وقد ذكرنا عنه قضاء السنن في غير حديث ) . قوله : ( عن حزبه ) الحزب بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها باء موحدة : الورد . والمراد هنا الورد من القرآن ، وقيل : المراد ما كان معتاده من صلاة الليل . والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل

                                                                                                                                            وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم [ ص: 61 ] أو عذر من الأعذار ، وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل ، قوله : ( وثبت عنه ، صلى الله عليه وسلم . . . إلخ ) هو ثابت من حديث عائشة عند مسلم والترمذي ، وصححه والنسائي ، وفيه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل

                                                                                                                                            ولم يستحب أصحاب الشافعي قضاءه ، إنما استحبوا قضاء السنن الرواتب ، ولم يعدوا التهجد من الرواتب ، قوله : ( وقد ذكرنا عنه قضاء السنن في غير حديث ) قد تقدم بعض من ذلك في باب القضاء ، وبعض في أبواب التطوع .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية