الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - جل وعز - : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ؛ زعم الأخفش أن " ثم " ؛ ههنا؛ في معنى الواو؛ وهذا خطأ؛ لا يجيزه الخليل؛ وسيبويه ؛ وجميع من يوثق بعربيته؛ إنما " ثم " ؛ للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير؛ وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء خلق آدم أولا؛ فإنما المعنى : " إنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه " ؛ فابتداء خلق آدم التراب؛ الدليل على ذلك قوله - عز وجل - : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ؛ فبدأ الله خلق آدم ترابا؛ وبدأ خلق حواء من ضلع من أضلاعه؛ ثم [ ص: 322 ] وقعت الصورة بعد ذلك؛ فهذا معنى " خلقناكم ثم صورناكم " ؛ أي : هذا أصل خلقكم؛ ثم خلق الله نطفا؛ ثم صوروا؛ فـ " ثم " ؛ إنما هي لما بعد. وقوله - جل وعز - : ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ؛ أي : بعد الفراغ من خلق آدم أمرت الملائكة بالسجود؛ وقوله : إلا إبليس لم يكن من الساجدين ؛ استثناء ليس من الأول؛ ولكنه ممن أمر بالسجود؛ الدليل على ذلك قوله : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؛ فدل بقوله : إذ أمرتك ؛ أن إبليس أمر بالسجود؛ مع الملائكة؛ ومعنى ما منعك ألا تسجد ؛ إلغاء " لا " ؛ وهي مؤكدة؛ المعنى : " ما منعك أن تسجد " ؛ فمسألته عن هذا - والله قد علم ما منعه - توبيخ له؛ وليظهر أنه معاند؛ وأنه ركب المعصية خلافا لله؛ وكل من خالف الله في أمره فلم يره واجبا عليه كافر بإجماع؛ لو ترك تارك صلاة قال : إنها لا تجب؛ كان كافرا بإجماع الأمة؛ فأعلم الله - جل ثناؤه - أن معصية إبليس معصية معاندة وكفر؛ وقد أعلم الله أنه من الكافرين؛ فقال : إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ؛ فالفصل بين معصية إبليس؛ ومعصية آدم وحواء؛ أن إبليس عاند؛ وأقام؛ ولم يتب؛ وأن آدم وحواء اعترفا بالذنب؛ وقالا : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية