الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 92 ] 15 - باب: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

                                                                                                                                                                                                                              5018 - وقال الليث حدثني يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس ، فسكت فسكتت ، فقرأ فجالت الفرس ، فسكت وسكتت ، الفرس ، ثم قرأ فجالت الفرس ، فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه ، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " اقرأ يا ابن حضير ، اقرأ يا ابن حضير " . قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي فانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء ، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها . قال : " وتدري ما ذاك ؟ " . قال : لا . قال : " تلك الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها ، لا تتوارى منهم " . قال ابن الهاد : وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أسيد بن حضير . [فتح: 9 \ 63 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وقال الليث : حدثني يزيد بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة . . الحديث المتقدم وفي آخره : قال ابن الهادي : وحدثني بهذا الحديث عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أسيد بن حضير .

                                                                                                                                                                                                                              وصله أبو نعيم بإسناده إلى يحيى بن بكير عن الليث به . ولما رواه الإسماعيلي من حديث ابن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب ، عن يزيد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، عن أسيد ، قال : وأخبرني ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير ، أخبرنيه البغوي ، ثنا محمد بن زنبور المكي ، ثنا ابن أبي حازم ، عن يزيد ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 93 ] به . ثم قال : قال : حدثني هذا الحديث أيضا عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، عن أسيد .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإسماعيلي : ذكره البخاري عن الليث بلا خبر ، ومتنه مضطرب ، وجمع بين الإسنادين ; فالأول عن محمد بن إبراهيم مرسل ، والثاني عن ابن خباب عن أبي سعيد متصل ، وقد ذكرنا يحيى بن أيوب للموافقة . قال : وهذا حديث ابن أبي حازم ، وهو من شرط أبي عبد الله جاء به بمتن صحيح والإسنادين جميعا .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن شعيب عن خالد ، عن ابن أبي هلال ، عن يزيد بن عبد الله ، عن عبد الله بن خباب ، عنه . وعن علي بن محمد بن علي ، عن داود بن منصور ، عن الليث ، عن خالد به . وفي المناقب عن أحمد بن سعيد الرباطي ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يزيد بن الهادي ، عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربد . . الحديث . ولم يقل عن أسيد ، إلا أن لفظه يدل على أن أبا سعيد يرويه عن أسيد . قال أبو القاسم : وعند يزيد بن عبد الله لهذا الحديث إسناد آخر ، فإنه يرويه عن محمد بن إبراهيم عن أسيد ، ولم يدركه ، وقد جمعهما يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              تقدم قوله - عليه السلام - : "السكينة تنزلت للقرآن " فلأجل هذا -والله أعلم - بوب البخاري . وفي هذا الباب : نزول السكينة والملائكة عند قراءة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 94 ] القرآن
                                                                                                                                                                                                                              . وفهم البخاري تلازمهما كما نبه عليه ابن المنير . وفهم من الظلة أنها السكينة ; فلذلك ساقها في الترجمة .

                                                                                                                                                                                                                              وسبقه ابن بطال فإنه قال : في هذا الحديث أن أسيد بن الحضير رأى مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : "تلك الملائكة تنزلت للقرآن " فمرة أخبر عن نزول السكينة ، ومرة أخبر عن نزول الملائكة ، فدل على أن السكينة كانت في تلك الظلة ، وأنها تتنزل أبدا مع الملائكة ، وهو طبق ترجمة البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في الحديث أن الملائكة تحب أن تسمع القرآن من بني آدم لا سيما قراءة المحسنين منهم ، وكان أسيد بن حضير حسن الصوت به . ودل قوله لأسيد : "لو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم " . على حرص الملائكة على سماع كتاب الله من بني آدم ، وقد جاء في الحديث أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يضيء لأهل السماء كما يضيء النجم لأهل الأرض وتحضره الملائكة . وهذا كله ترغيب في حفظ القرآن وقيام الليل به ، وتحسين قراءته .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه ; جواز رؤية بني آدم الملائكة إذا تصوروا في صور يمكن للآدميين رؤيتها كما جرى يوم بدر وغيره ، وكان جبريل يظهر في

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 95 ] صورة رجل فيكلمه ، وكثير ما كان يأتيه في صورة دحية . وهو للمؤمنين رحمة وللكفار عذاب ، وقد تقدم في باب الكهف تفسير السكينة فراجعه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("لو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم" ) هو حجة لمن قال : إن السكينة هي روح أو شيء فيه روح ; لأنه لا يصح حب استماع القرآن إلا لمن يعقل .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فخرجت حتى لا أراها ) في "صحيح مسلم " : فعرجت إلى السماء حتى لا أراها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية