الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        284 - الحديث الخامس : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { : قد أصاب عمر أرضا بخيبر . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها . فقال : يا رسول الله ، إني أصبت أرضا بخيبر ، لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه ، فما تأمرني به ؟ فقال : إن شئت حبست أصلها ، وتصدقت بها . قال : فتصدق بها . غير أنه لا يباع أصلها ، ولا يوهب ، ولا يورث . قال : فتصدق عمر في الفقراء ، وفي القربى ، وفي الرقاب ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، والضيف . لا جناح على من وليها : أن يأكل منها بالمعروف ، أو يطعم صديقا ، غير متمول فيه . وفي لفظ غير متأثل } .

                                        التالي السابق


                                        الحديث دليل على صحة الوقف والحبس على جهات القربات . وهو مشهور متداول النقل بأرض الحجاز ، خلفا عن سلف . أعني الأوقاف . وفيه دليل [ ص: 536 ] على ما كان أكابر السلف والصالحين عليه ، من إخراج أنفس الأموال عندهم لله تعالى . وانظر إلى تعليل عمر رضي الله عنه لمقصوده ، بكونه " لم يصب مالا أنفس عنده منه " . وقوله " تصدقت بها " يحتمل أن يكون راجعا إلى الأصل المحبس . وهو ظاهر اللفظ ، ويتعلق بذلك ما تكلم فيه الفقهاء من ألفاظ التحبيس ، التي منها " الصدقة " ومن قال منهم : بأنه لا بد من لفظ يقترن بها ، يدل على معنى الوقف والتحبيس ، كالتحبيس المذكور في الحديث ، وكقولنا مؤبدة " محرمة " أو " لا تباع ولا توهب " ويحتمل أن يكون قوله وتصدقت بها " راجعا إلى الثمرة ، على حذف المضاف ويبقى لفظ " الصدقة " على إطلاقه . وقوله فتصدق بها ، غير أنه لا يباع . .. إلخ محمول عند جماعة - منهم الشافعي - على أن ذلك حكم شرعي ثابت للوقف ، من حيث هو وقف ، ويحتمل من حيث اللفظ : أن يكون ذلك إرشادا إلى شرط هذا الأمر في هذا الوقف . فيكون ثبوته بالشرط ، لا بالشرع والمصارف التي ذكرها عمر رضي الله عنه : مصارف خيرات ، وهي جهة الأوقاف . فلا يوقف على ما ليس بقربة من الجهات العامة . والقربى " يراد بها ههنا : قربى عمر ظاهرا ، والرقاب " قد اختلف في تفسيرها في باب الزكاة . ولا بد أن يكون معناها معلوما عند إطلاق هذا اللفظ ، وإلا كان المصرف مجهولا بالنسبة إليها . و " في سبيل الله " الجهاد عند الأكثرين ، ومنهم من عده إلى الحج . و " ابن السبيل " المسافر ، والقرينة تقتضي اشتراط حاجته . " والضيف " من نزل بقوم ، والمراد : قراه ، ولا تقتضي القرينة تخصيصه بالفقر . وفي الحديث : دليل على جواز الشروط في الوقف ، واتباعها . وفيه دليل على المسامحة في بعضها ، حيث علق الأكل على المعروف ، وهو غير منضبط . وقوله " غير متأثل " أي : متخذ أصل مال ، يقال : تأثلت المال : اتخذته أصلا .




                                        الخدمات العلمية