الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة السادسة ) في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم وقال سحنون : يلزمه في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع قواعد :

( القاعدة الأولى ) كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه السلام { لا يقبل الله صلاة بغير طهور } يحمل على الصلاة في عرفه عليه السلام دون الدعاء وكذلك قوله عليه السلام { من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف } يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه السلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليها .

( القاعدة الثانية ) كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها ودوافعها فشرع الإسلام وعقد الذمة سببين لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافع لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه السلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق لفظ اليمين على البابين بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك أو المجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا [ ص: 77 ] حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق ونحوه لم يلزمه شيء وإذا كان البابان مختلفين لا يعم الحكم .

( القاعدة الثالثة ) مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ فلذلك كل عدم ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده فتكون مشيئة الله تعالى معلومة قطعا وأما مشيئة غيره فلا تعلم غايته أن يخبرنا وخبره إنما يفيد الظن فظهر بطلان ما يروى عن مالك وجماعة من العلماء من أنه علق الطلاق على مشيئة من لم تعلم مشيئته بخلاف التعليق على مشيئة البشر ويجعل ذلك سبب عدم لزوم الطلاق والأمر بالعكس .

( القاعدة الرابعة ) الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل فإذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به أحد .

[ ص: 78 ] وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذ هذا وعلى التقديرين لا تطلق الآن فإن قلت : هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم يحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قلت : الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى ومشيئة زيد غير مؤثرة بل هي كدخول الدار فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد فإن قلت : لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ هذا الطلاق لا لفظا آخر يحدث في المستقبل ؟ قلت : يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان من أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع الأسباب ليرتب عليها مسبباتها فمن باع [ ص: 79 ] وقال : إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له : قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا وقال القاضي عبد الوهاب : هذه المسألة مخرجة على استثناء الكل من الكل بجامع أنه مبطل على رأي الشافعي فيلغو الجميع والفرق أن الشرط لم يتعين العبث فيه واللغو لأن التعليق على الممتنع من غرض العقلاء وإن بطلت جملة المشروط قال الله تعالى { لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } قلت : أما استثناء الكل من الكل فعبث فظهر بهذه القواعد وبهذا التقدير أن الحق في هذه المسألة عدم لزوم الطلاق في الحال لا بسبب ما قاله الشافعي أن الاستثناء رافع لليمين بل لما ذكرناه من مقتضى هذا التعليق وتفاصيله .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم وقال سحنون : يلزم في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع قواعد إلى آخر قوله في القاعدتين الأولى والثانية ) قلت : [ ص: 77 ] ما قاله في ذلك صحيح ظاهر والله أعلم .

قال : ( القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ إلى آخر القاعدة ) قلت : ما قاله في هذه القاعدة من كون مشيئة الله معلومة قطعا بمعنى أنه ما من وجود ممكن ولا عدمه إلا مستند إلى مشيئته فمشيئته على هذا الوجه معلومة عندنا صحيح وليس ذلك مراد مالك وغيره ممن روي عنه إذا قال : أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق لأنه علقه على مشيئة من لا يعلم مشيئته بل مراد من قال : ذلك أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على التعيين أم لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه منها إخباره بذلك مع قرائن توجب حصول العلم وقوله غاية خبره أن يفيد الظن إنما ذلك عند عدم القرائن مع أنه يحتمل أن يقال : بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب والله أعلم فقوله إن الأمر بعكس ما قاله مالك وغيره ليس بصحيح وقوله فظهر بطلان ما يروى عن مالك قول باطل لا خفاء ببطلانه ولو لم يظهر وجه بطلان قوله لكانت مخالفته لمالك كافية في سوء الظن بقوله لتفاوت ما بينهما في العلم

قال : ( القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل ) قلت : ليس ذلك بمطرد لازم ولكنه الغالب والأكثر .

قال : ( فإذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا ) قلت : ذلك هو الغالب قال : ( والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به أحد ) قلت : تجويزه احتمال أن يكون الطلاق الذي يكون مفعول المشيئة هو الذي صدر منه مناقض لما قال قبل من أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمستقبل مع أن هذا [ ص: 78 ] الاحتمال بعيد لا يكاد يخطر ببال ولو قصده بمعنى أنه إن شاء الله أن أتكلم بهذا الكلام المتضمن تعليق الطلاق على مشيئة الله هذا الكلام للزمه الطلاق عند قوله ذلك الكلام لا في أول زمن النكاح كما قاله لأن لزوم الطلاق عند أول أزمنة الإمكان لا موجب له فإن مراده بالمشيئة إنما هو وقوع المراد بالمشيئة لا تحقق المشيئة في الأزل لأن مشيئة وجود هذا الكلام من قائله معلومة متحققة الوقوع ولا أرى أن يخالف في ذلك مخالف وأما كونه لم يقل به أحد فلما تقرر من أن المراد بقوله إن شاء الله أي إن وقع مفعول المشيئة وهو قوله ذلك الكلام والله أعلم .

قال : ( وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يتلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذها وعلى التقديرين لا تطلق الآن ) قلت : قد سبق أنها تطلق الآن على التقدير الأول .

قال : ( فإن قلت : هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم تحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قال : قلت : الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها إلى آخر قوله بخلاف مشيئة زيد ) قلت : قوله فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى غلط في اللفظ فإن مشيئة الله تعالى لا تعدم وصواب الكلام أن يقال : بمشيئة الله تعالى عدم ذلك اللفظ وقوله فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد مناقض لما قاله قبل من أن الأمر بعكس ما قاله مالك من لزوم الطلاق في مشيئة الله تعالى لا في مشيئة زيد قال : ( فإن قلت : لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ الطلاق لا لفظا آخر يحدث في المستقبل قال : قلت : يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان في أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع الأسباب لتترتب عليها مسبباتها فمن باع [ ص: 79 ] وقال : إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا ) قلت : قوله أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق من أول أزمنة الإمكان بناء منه ذلك على تعلق المشيئة في الأزل ليس بلازم ونحن نقول : إنه لم يقل به أحد كما قال : وإنما اللازم لزوم الطلاق الآن عند هذا الكلام وذلك هو مراد مالك ومن وافقه والله أعلم .

قال : ( قال القاضي عبد الوهاب إلى آخر كلامه في المسألة ) قلت : ما قاله في هذه المسألة من أن الحق فيها عدم لزوم الطلاق في الحال ليس بصحيح بل الصحيح لزومه في الحال كما سبق والله أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة السادسة ) في لزوم الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله كأن شاء الجن أو الملك وهو الصحيح المفتى به في المذهب فلذا اقتصر عليه خليل في مختصره والأمير في مجموعه وعدم لزومه وهو قول أبي حنيفة والشافعي قولان لمالك وابن القاسم ولعبد الملك مبنيان على أنه إذا وقع الشك في العصمة هل يعتبر ويقع الطلاق له وهو أصل ابن القاسم أو يلغى وتستصحب العصمة وهو أصل عبد الملك أما الشك في إن شاء الجن أو الملك فظاهر .

وأما إن شاء الله فلأن متعلق المشيئة الذي هو الطلاق وحل العصمة أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل بأنه أراد الطلاق على التعيين أم لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه منها إخباره بذلك مع قرائن توجب حصول العلم وكون غاية خبر البشر أن يفيد الظن إنما هو عند عدم القرائن على أنه يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب هذا هو المراد من قول مالك وغيره ممن روي عنه أنه [ ص: 81 ] يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على مشيئة من لا يعلم مشيئته فقول من قال : إن القول بأن مشيئة الله تعالى لا يمكن اطلاعنا عليها يضاهي قول القدرية بحدوث الإرادة وأن بعض الأمور على خلاف مشيئة الله تعالى ويخالف قاعدة أهل السنة أن مشيئة الله واجبة النفوذ فكل عدم ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده ليس بصحيح كما نقله الشيخ محمد كنون في حاشيته على حواشي عبق عن العلامة ابن المبارك مع زيادة قلت : ويظهر لنا على ذلك ثلاثة أمور : الأمر الأول أنه لا يحتاج حينئذ إلى قول العلامة الأمير في ضوء الشموع الصواب إما أن يقال : إن قوله أنت طالق إن شاء الله تعالى تعليق بمحقق إن قصد إن كان شاء الله ذلك يعني في الماضي فإن بنطقه بالطلاق علم أنه شاء وقاعدة أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق أغلبية لا كلية وإلا يقصد ذلك بل قصد إن شاء ذلك في المستقبل ولو قلنا : إن الحكم يتعدد عند الله تعالى لأننا إنما نفتي بما غلب على ظننا وحصول المحكوم به هنا ليس من مجرد الحكم حتى يرد أنه تعالى قد يأمر ولا يريد فلا يلزم من الحكم حصول المحكوم به بل حصوله هنا من حيث تحقق السبب وهو نطقه بالصيغة فتدبر .

وأما أن يقال إن جعل مالك ذلك مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه منظورا فيه للمشيئة في حد ذاتها فلا ينافي أنها تعلم بتحقق المشيء ا هـ بحذف وزيادة وتصرف . الأمر الثاني أن هذا الذي نقله كنون عن ابن المبارك هو الذي يشير إليه قول ابن الشاط مراد من قال يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على مشيئة من لا يعلم مشيئته هو أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على التعيين أو لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك ا هـ .

قلت : وتوضيح ذلك أن مطلق لفظ الطلاق وإن وضعه الشارع لحل العصمة إلا أن لفظه المعين الواقع في قوله أنت طالق إن شاء الله معلق على مشيئة الله تعالى لما كان معناه إن شاء الله جعل هذا اللفظ [ ص: 82 ] بخصوصه سببا في حل العصمة وجعله بخصوصه سببا في حلها أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل صح جعل ذلك القول مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه وليس معناه أن مطلق لفظ الطلاق الذي منه هذا اللفظ المعين مقيد بالشرط الذي هو مشيئة الله تعالى حتى يقال : إن قصد إن كان شاء الله ذلك يعني في الماضي فهو تعليق بمحقق إذ بنطقه بالطلاق علم أنه شاء لوضعه شرعا ضمن المطلق لحل العصمة وإن قصد إن شاءه في المستقبل فهو لاغ إلخ . الأمر الثالث وسننقله بعد عن كنون عن ابن المبارك أيضا أنه لا فرق هنا بين إن شاء وإلا أن يشاء فكما أن معنى إن شاء الله ما ذكر كذلك إلا أن يشاء الله معناه إلا أن يشاء الله عدم جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وعدم الجعل المذكور أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله تعالى وكما جرى في الأول خلاف ابن القاسم وعبد الملك كذلك يجري في الثاني فينجز عليه الطلاق عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد الملك لإلغاء الشك بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته كما في إن شاء أو إلا أن يشاء زيد لسئل هل شاء أن يجعل هذا اللفظ بخصوصه سببا لحل العصمة فيقع الطلاق أو لا فلا يقع فكل من إن شاء وإلا أن يشاء هنا للتقييد والاحتراز عن صورة مفهوم الصيغة لا لكونه رافعا لحكم الصيغة كما في اليمين بالله وكما في أنت طالق إن شاء الله على مذهب الشافعي وأبي حنيفة لقاعدتين .

( القاعدة الأولى ) كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه الصلاة والسلام { لا يقبل الله صلاة بغير طهور } يحمل على الصلاة في عرفه عليه الصلاة والسلام دون الدعاء وقوله عليه الصلاة والسلام { من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف } يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه الصلاة والسلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليهما .

( القاعدة الثانية ) كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها فشرع [ ص: 83 ] الإسلام وعقد الذمة سببان لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافعا لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والطلاق والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق اليمين على البابين بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك والمجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق ونحوه لم يلزمه شيء .

وإذا كان البابان مختلفين فلا يعم الحكم هذا تحقق المقام وفي لزوم الطلاق منجزا في أنت طالق إن شاء هذا الحجر ونحوه لأنه يعد نادما وهازلا إذ مشيئة الحجر أمر ممتنع كلمس السماء فيستوي مع إن لم يكن هذا الحجر حجرا في كونه هزلا إلا لقرينة صلابة ونحوها وعدم اللزوم نظرا لكون مشيئة الحجر وإن كانت أمرا ممتنعا أيضا إلا أنه غير عريق في اللغو لكون امتناعه عاديا فقط بخلاف إن لم يكن هذا الحجر حجرا فإنه عريق في اللغو لأنه قلب حقائق فهو ممتنع عقلا وعادة روايتان ذكرهما عبد الوهاب الثانية لابن القاسم في المدونة وبها قال أبو حنيفة والشافعي والأولى لابن القاسم في النوادر وبها قال سحنون وهي الأصح لأن المدار على تحقق اللغو كما يشهد له قولهم بالتنجيز في لمست السماء على أن الفرق بالعراقة وعدمها كما قال الأمير مبني على ما اشتهر عند المناطقة من تباين حقائق أنواع الجواهر وأكثر المتكلمين على تماثل الحقيقة الجوهرية في الكل وأن الاختلاف بالعوارض كما في حواشي الكبرى ثم المستحيل قلب الحقيقة بأن تصير حقيقة الحجر نفسها هي حقيقة الذهبية للتناقض أما إن زالت الذهبية وخلفها الحجرية فقلب أعيان جائز نقله حجازي عنه في حاشيته على عبق انظره .




الخدمات العلمية