الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : حكم قراءة الجنب وغيره القرآن

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يمنع من قراءة القرآن إلا جنب ، قال أبو إبراهيم : إن قدم الوضوء وأخر يعيد الوضوء والصلاة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال لا يجوز للجنب والحائض والنفساء أن يقرءوا القرآن ولا شيئا منه ، وجوز لهم داود قراءة القرآن ، وقال مالك : يجوز للحائض أن تقرأ دون الجنب ، واستدل داود بقوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر منه [ المزمل : 20 ] . فكان على عمومه ، ورواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيائه ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في سبيل الله ، ورجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار " ودليلنا رواية عبد الله بن [ ص: 148 ] سلمة ، عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه عن قراءة القرآن إلا أن يكون جنبا .

                                                                                                                                            وروى موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقرأ الجنب والحائض شيئا من القرآن ، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : يا رسول الله إنك تأكل وتشرب وأنت جنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني آكل وأشرب وأنا جنب ولا أقرأ وأنا جنب " . ولأن تحريم القراءة على الجنب قد كان مشهورا في الصحابة منتشرا عند الكافة حتى لا يخفى على رجالهم ونسائهم ، حتى حكي أن عبد الله بن رواحة : وطئ أمته فقالت له امرأته : وطئت المملوكة ؟ فأنكر ، فقالت له : إن كنت لم تطأ فاقرأ فقال :


                                                                                                                                            شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا     وأن العرش فوق الماء طاف
                                                                                                                                            وفوق العرش رب العالمين     وتحمله ملائكة شداد
                                                                                                                                            ملائكة الإله مسومين

                                                                                                                                            فتشبه عليها ذلك وظنته قرآنا فقالت : صدقت ربي وكذبت بصري ، ثم إن عبد الله أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتبسم وقال : امرأتك أفقه منك ، فثبت أن ذلك إجماع .

                                                                                                                                            فأما مالك فإنه قال : إن الحائض إن لم تقرأ نسيت لتطاول الحيض بها وأنه قد ربما استوعب شطر زمانها وليس كذلك الجنب وهذا خطأ لورود النص بنهي الجنب والحائض ، [ ص: 149 ] ولأن حدث الحيض أغلظ من حدث الجنابة ، لأنه يمنع من الصيام والوطء ولا يمنع منهما الجنابة ، فلما كان الجنب ممنوعا فأولى أن تكون الحائض ممنوعة ثم من الدليل عليهما أن حرمة القرآن أعظم من حرمة المسجد فلما كان المسجد ممنوعا من الحائض فأولى أن يكونا ممنوعين من القرآن ، وأما الجواب عن الآية فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المراد بها فصلوا ما تيسر من الصلاة فعبر عن الصلاة بالقرآن لما يتضمنها منه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه عام خص منه الجنب والحائض بدليل .

                                                                                                                                            وأما حديث عائشة أنه كان يذكر الله على كل حال فمحمول على الأذكار التي ليست قرآنا ، والحديث الآخر مخصوص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية