الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب كفارة البزاق في المسجد

                                                                                                                                                                                                        405 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب كفارة البزاق في المسجد ) أورد فيه حديث " البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها " من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء ، ولمسلم " التفل " بدل البزاق ، والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق ، والنفث بمثلثة آخره أخف منه ، قال القاضي عياض : إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه ، وأما من أراد دفنه فلا . ورده النووي فقال : هو خلاف صريح الحديث . قلت : وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا ، [ ص: 610 ] وهما قوله " البزاق في المسجد خطيئة " وقوله " وليبصق عن يساره أو تحت قدمه " فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد ، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في " التنقيب " والقرطبي في " المفهم " وغيرهما . ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال " من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه " . وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال " من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة ، وإن دفنه فحسنة " فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن . ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال " ووجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن " قال القرطبي : فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة . انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح " أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله ، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ، ثم قال : الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة " فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها .

                                                                                                                                                                                                        وعلة النهي ترشد إليه ، وهي تأذي المؤمن بها . ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف ، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير " أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله " إسناده صحيح ، وأصله في مسلم . والظاهر أن ذلك كان في المسجد ، فيؤيد ما تقدم . وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد ، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر ، وهو تفصيل حسن . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى ، وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا ، فيجرى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله ; لأنه إذا كان المكفر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء ؟ وقال النووي : قوله " كفارتها دفنها " قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه . وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا .

                                                                                                                                                                                                        قلت : الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا ، وقد عرف ما فيه .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قوله " في المسجد " ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه ، حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية