الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قل إني على بينة من ربي ) أي على شريعة واضحة وملة صحيحة . وقيل : البينة هي المعجزة التي تبين صدقي وهي القرآن ، قالوا : ويجوز أن تكون التاء في ( بينة ) للمبالغة ، والمعنى على أمر بين . لما نفى أن يكون متبعا للهوى نبه على ما يجب اتباعه وهو الأمر الواضح من الله تعالى .

( وكذبتم به ) إخبار منه عنهم أنهم كذبوا به والظاهر عود الضمير على الله أي وكذبتم بالله . وقيل : عائد على ( بينة ) لأن معناه على أمر بين . وقيل : على البيان الدال عليه ( بينة ) وقيل : على القرآن .

( ما عندي ما تستعجلون به ) الذي استعجلوا به قيل الآيات المقترحة . قاله الزجاج . وقيل : العذاب ، ورجح بأن الاستعجال لم يأت في القرآن إلا للعذاب لأنهم لم يستعجلوا بالآيات المقترحة وبأن لفظ ( وكذبتم به ) يتضمن أنكم واقعتم ما أنتم تستحقون به العذاب إلا أن ذلك ليس لي . قال الزمخشري : يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم : ( فأمطر علينا حجارة من السماء ) .

( إن الحكم إلا لله ) أي الحكم لله على الإطلاق وهو الفصل بين الخصمين [ ص: 143 ] المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب . وقيل : القضاء بإنزال العذاب وفيه التفويض العام لله تعالى .

" يقضي الحق " هي قراءة العربيين والأخوين أي يقضي القضاء الحق في كل ما يقضي فيه من تأخير أو تعجيل ، وضمن بعضهم ( يقضي ) معنى : ينفذ ، فعداه إلى مفعول به . وقيل : ( يقضي ) بمعنى : يصنع . أي كل ما يصنعه فهو حق ، قال الهذلي :


وعليهما مسدودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع .



أي صنعهما وقيل حذف الباء والأصل بالحق ، ويؤيده قراءة عبد الله وأبي وابن وثاب والنخعي وطلحة والأعمش ( يقضي بالحق ) بباء الجر وسقطت الياء خطا لسقوطها لفظا لالتقاء الساكنين . وقرأ مجاهد وابن جبير يقضي بالحق .

( وهو خير الفاصلين ) وفي مصحف عبد الله وهو أسرع الفاصلين .

وقرأ ابن عباس والحرميان وعاصم ( يقص الحق ) من قص الحديث كقوله ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) أو من قص الأثر أي اتبعه . وحكي أن أبا عمرو بن العلاء سئل أهو يقص الحق أو يقضي الحق ؟ فقال : لو كان يقص لقال وهو خير القاصين أقرأ أحد بهذا ؟ وحيث قال ( وهو خير الفاصلين ) فإنما يكون الفصل في القضاء . انتهى . ولم يبلغ أبا عمرو أنه قرئ بها ويدل على ذلك قوله : أقرأ بها أحد ، ولا يلزم ما قال ، فقد جاء الفصل في القول ، قال تعالى : ( إنه لقول فصل ) وقال : ( أحكمت آياته ثم فصلت ) وقال : ( نفصل الآيات ) فلا يلزم من ذكر الفاصلين أن يكون معينا لـ ( يقضي ) .

و ( خير ) هنا أفعل التفضيل على بابها . وقيل : ليست على بابها لأن قضاءه تعالى لا يشبه قضاء ولا يفصل كفصله أحد ، وهذا الاستدلال يدل على أنها على بابها .

التالي السابق


الخدمات العلمية