الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - ب " الخبيث " : الرديء ، غير الجيد ، يقول : لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه ، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد .

وذلك أن هذه الآية نزلت في سبب رجل من الأنصار علق قنوا من حشف - في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم - صدقة من تمره .

ذكر من قال ذلك :

6139 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض [ ص: 560 ] " إلى قوله : " والله غني حميد " قال : نزلت في الأنصار ، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر ، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل فقراء المهاجرين منه . فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر ، يظن أن ذلك جائز .

فأنزل الله - عز وجل - فيمن فعل ذلك : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال لا تيمموا الحشف منه تنفقون .

6140 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، زعم السدي ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب بنحوه ، إلا أنه قال : فكان يعمد بعضهم ، فيدخل قنو الحشف ويظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء ، فنزل فيمن فعل ذلك : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " القنو الذي قد حشف ، ولو أهدي إليكم ما قبلتموه .

6141 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء بن عازب قال : كانوا يجيئون في الصدقة بأردإ [ ص: 561 ] تمرهم وأردإ طعامهم ، فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " الآية .

6142 - حدثني عصام بن رواد قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : سألت عليا عن قول الله : " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : فقال علي : نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة ، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه ، فيعزل الجيد ناحية . فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء ، فقال عز وجل : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .

6143 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي ، أن ابن شهاب حدثه ، قال : حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله - عز وجل - : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : هو الجعرور ، ولون حبيق ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخذ في الصدقة . [ ص: 562 ]

6144 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : كانوا يتصدقون - يعني من النخل - بحشفه وشراره ، فنهوا عن ذلك ، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه .

6145 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " إلى قوله : " واعلموا أن الله غني حميد " ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان على عهد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدق به ، ويخلط فيه من الحشف ، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه .

6146 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : تعمد إلى رذالة مالك فتصدق به ، ولست بآخذه إلا أن تغمض فيه .

6147 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن قال : كان الرجل يتصدق برذالة ماله ، فنزلت : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .

6148 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرنا عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال : في الأقناء التي تعلق ، فرأى فيها حشفا ، فقال : [ ص: 563 ] ما هذا ؟ . قال ابن جريج : سمعت عطاء يقول : علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا ؟ بئسما علق هذا ! ! فنزلت : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تيمموا الخبيث من الحرام منه تنفقون وتدعوا أن تنفقوا الحلال الطيب .

ذكر من قال ذلك :

6149 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد - وسألته عن قول الله عز وجل : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " - قال : الخبيث : الحرام ، لا تتيممه تنفق منه ، فإن الله عز وجل لا يقبله .

قال أبو جعفر : وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه عمن حكينا [ عنه ] من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ لصحة إسناده ] ، واتفاق أهل التأويل في ذلك دون الذي قاله ابن زيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية