الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله : ) وإذا كان لرجل على رجل دين إلى سنة فصالحه على أن أعطاه به كفيلا وأخره به إلى سنة أخرى فهو جائز ; لأن المطلوب أعطاه بما عليه كفيلا ، والطالب أجله إلى سنة أخرى ، وكل واحد منهما صحيح عند الانفراد فكذلك إذا جمع بينهما ، ولا يتمكن هنا معنى معاوضة ، والكفالة بالأجل ; لأن الكفالة إنما تصح بقبول الكفيل سواء سأل المطلوب ذلك أو لم يسأل ، والتأجيل يثبت حقا للمطلوب ، فلا تتحقق معنى المعاوضة بينهما ، وكذلك لو كان به كفيل فأبرأه على أن أعطاه به كفيلا آخر وأخره سنة بعد الأجل الأول ; لأن إبراء الكفيل الأول يتم بالطالب والتأخير بإيجاب الطالب ذلك للمطلوب ، ولا يتمكن معنى المعاوضة فيه لما كان تمام كل واحد منهما بشخص آخر ، ولو صالحه على أن يعجل له نصف المال على أن يؤخر عنه ما بقي سنة بعد الأجل كان ذلك باطلا ; لأن المطلوب أسقط حقه في الأجل في نصف المال وشرط على الطالب التأجيل فيما بقي سنة أخرى فهذا مبادلة الأجل بالأجل ، وهو ربا ، وكذلك كل ما يعجل مؤجلا بتأخير شيء آخر معجلا أو مؤجلا فهو فاسد لما فيه من معاوضة الأجل بالأجل .

ولو كان المطلوب قضى الطالب المال قبل حله ، ثم استحق من يده لم يرجع عليه حتى يحل الأجل ; لأن القبض انتقض في المستحق من الأصل وسقوط الأجل كان في ضمن التعجيل بتسليم المال إليه ، وإذا ثبت في ضمن غيره يبطل ببطلانه فلهذا كان المال عليه بعد الاستحقاق إلى أجل ، وكذلك لو وجد زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا ، أما في الستوق فظاهر ; لأنه يتبين أنه لم يكن موفيا له حقه فيبقى المال عليه إلى أجله ، وفي الزيوف والنبهرجة قد انتقض قبضه بالرد ، وسقوط الأجل كان باعتبار قبضه ، وهو دليل أبي حنيفة رحمه الله : عليهما في أن الرد بعيب الزيافة ينقض القبض من الأصل بمنزلة الاستحقاق حين عاد الأجل ولكنهما [ ص: 36 ] يقولان نحن نسلم هذا إلا أنا نجعل في الصرف والسلم اجتماعهما في مجلس الرد كاجتماعهما في مجلس العقد وذلك لا يتحقق في حكم سقوط الأجل ، وعند رد الزيوف رجوعه بأصل حقه ، وهو ثمن المبيع ، وقد كان أصل حقه مؤجلا فلهذا رجع به بعد حله أيضا ، وكذلك لو باعه به عبدا أو صالحه منه على عبد وقبضه ، ثم استحق أو وجد حرا أو رده بعيب بقضاء قاض فالمال عليه إلى أجله ; لأن بهذه الأسباب ينتقض العقد من الأصل ، وكذلك لو طلب إليه أن يقيله الصلح على ما كان من الأجل فأقاله أو رده بعيب بغير قضاء فالمال عليه إلى أجله ; لأن الإقالة إن جعلت فسخا عاد المال إلى أجله ، وإن جعلت كعقد مبتدأ فقد شرط التأجيل في البدل فيكون مؤجلا والرد بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة الإقالة ، وإن لم يسم الأجل فالمال حال ; لأن الإقالة والرد بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة البيع المبتدأ ، فإنه يعتمد التراضي ومطلقه يوجب المال حالا .

فإن قيل : الإقالة فسخ في حقهما وعود الأجل من حقهما قلنا هو فسخ في حقهما فيما هو من أحكام ذلك البيع ، فأما فيما ليس من أحكامه فهو كالبيع المبتدأ والأجل في أصل الدين لم يكن من أحكام هذا البيع بينهما فالإقالة فيه كالبيع المبتدأ ، وقد قررنا هذا المعنى فيما أمليناه من شرح الزيادات .

ولو كان بالدين كفيل لم يعد المال على الكفيل إلا أن يكون رد العبد بالعيب بقضاء قاض ; لأن الرد بالقضاء فسخ من الأصل ، ولم يثبت المال على الكفيل ; لأن هذا دين آخر سوى ما كفل به فهذا مثله ، ولو كان به رهن ، وهو في يد الطالب حين رد بالعيب كان رهنا على حاله بالمال ; لأن البيع قد انفسخ برد العبد ، وإنما يرجع الطالب بالدين الذي كان له عليه ، وقد كان الرهن محبوسا عنده بذلك الدين فيبقى محبوسا على حاله ; لأن الشراء بالدين مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية