الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                المبحث الرابع : العرف الذي تحمل عليه الألفاظ 35 - إنما هو المقارن السابق دون المتأخر ; 36 - ولذا قالوا لا عبرة بالعرف الطارئ [ ص: 312 ] فلذا اعتبر في المعاملات ، ولم يعتبر في التعليق فيبقى على عمومه ولا يخصصه العرف .

                وفي آخر المبسوط إذا أراد الرجل أن يغيب فحلفته امرأته فقال : كل جارية اشتريتها فهي حرة ، وهو يعني كل سفينة جارية ، عمل بنيته ولا يقع عليه العتق قال الله تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } والمراد السفن ، فإذا نوى ذلك عملت نيته ; لأنها ظالمة في هذا الاستحلاف ونية المظلوم فيما يحلف عليه معتبرة ، وإن حلفته بطلاق كل امرأة أتزوجها عليك فليقل : كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق ، وهو ينوي بذلك كل امرأة أتزوجها على رقبتك فيعمل بنيته ; لأنه نوى حقيقة كلامه ( انتهى ) .

                وأما الإقرار فهو إخبار عن وجوب سابق ، وربما يقدم الوجوب على العرف الغالب ، وكذا لو أقر بدراهم ثم [ ص: 313 ] فسرها أنها زيوف ، أو نبهرجة يصدق إن وصل ، وإن أقر بألف من ثمن متاع أو قرض لم يصدق .

                عند الإمام إذا قال هي زيوف وصل أو فصل ، وصدقاه إن وصل ، وإن أقر بألف غصبا أو وديعة قال : هي زيوف صدق مطلقا .

                وكذا الدعوى لا تنزل على العادة ; لأن الدعوى والإقرار إخبار بما تقدم فلا يقيده العرف المتأخر بخلاف العقد فإنه باشره للحال فقيده العرف .

                قال في البزازية من الدعوى معزيا إلى اللامشي : إذا كانت النقود في البلد مختلفة أحدها أروج لا تصح الدعوى ما لم يبين ، وكذا لو أقر بعشرة دنانير حمر وفي البلد نقود مختلفة حمر لا يصلح بلا بيان ، بخلاف البيع فإنه ينصرف إلى الأروج ( انتهى ) .

                وقد أوسعنا الكلام على ذلك في شرح الكنز من أول البيع ، ويمكن أن تخرج عليها مسألتان ; أحدهما مسألة البطالة في المدارس فإذا استمر عرف بها في أشهر مخصوصة حمل عليها ما وقف بعدها لا ما وقف قبلها .

                الثانية : إذا شرط الواقف النظر للحاكم وكان الحاكم إذ ذاك شافعيا ثم صار الآن حنفيا لا قاضي غيره إلا نيابة .

                هل يكون النظر له ; لأنه الحاكم أو لا ; لأنه متأخر فلا يحمل المتقدم عليه ؟ 38 - فمقتضى القاعدة الثانية .

                التالي السابق


                ( 35 ) قوله : إنما هو المقارن السابق أي السابق لوقت اللفظ ، واستقر حتى صار في وقت الملفوظ به ، وأما المقارن الطارئ فلا أثر له ، ولا ينزل عليه اللفظ السابق ، وبهذا التقرير يندفع ما عساه يقال : كيف يكون العرف مقارنا سابقا وسقط ؟ قيل : الظاهر أو السابق وسقطت أو سهوا . ( 36 )

                قوله : ولذا قالوا لا عبرة بالعرف الطارئ : قال الزركشي في قواعده وأغرب من حكى في جواز التخصيص به قولان ، وبنى بعضهم على ذلك مسألتين أحدهما ما يتعلق بالبطالة في المدارس فقد اشتهر في هذه الأعصار ترك الدروس في [ ص: 312 ] الأشهر الثلاثة .

                الثانية كسوة الكعبة ، فإن ابن عبدان منع من بيعها ، وأوجب رد من حمل منها شيئا .

                ( 37 ) قوله : فلذا اعتبر العرف في المعاملات ولم يعتبر في التعليق : اعلم أن العادة الغالبة إنما تقيد لفظ المطلق إذا تعلق بإنشاء أمر في الحال دون ما يقع إخبارا عن متقدم فلا يقيده العرف المتأخر .

                وقال بعضهم : العادة الغالبة إنما تؤثر في المعاملات ; لكثرة وقوعها أو رغبة الناس فيما يروج في البقعة غالبا ، ولا تؤثر في التعليق والإقرار والدعوى بل يبقى اللفظ على عمومه فيها .

                أما في التعليق فلقلة وقوعه ، وأما في الإقرار والدعوى فلأنه إخبار عن وجوب سابق ، وربما تقدم الوجوب على العرف الغالب أو غلب في بقعة أخرى [ ص: 313 ]

                قوله : فمقتضى القاعدة الثانية : فيه أن أل في الحاكم للعهد كما هو الظاهر وقضية كون النظر لذلك الحاكم شافعيا أو كان حنفيا ، وكونه شافعيا في نفس الأمر إذ ذاك لا يقتضي أن يكون له دخل في ثبوت الحكم فالظاهر إذا كان النظر له ، وإن صار حنفيا فيما علمت ، وكون المسألة من جزئيات القاعدة في حيز المنع فتدبر .




                الخدمات العلمية