الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله : ) وإذا صالح الرجل من السلم على ماله لم ينبغ له أن يشتري به شيئا حتى يقبضه عندنا ، وقال زفر رحمه الله : لا يشترط ذلك ; لأنه ليس له وجه رده بسبب القبض فيجوز الاستبدال به كالمغصوب والمستقرض ، وهذا لأن إقالة السلم فسخ وليس بعقد مبتدأ بينهما بدليل أنه لا يستحق قبض رأس المال في المجلس والدين بالدين حرام ، فإذا كان فسخا وجب رد رأس المال بسبب القبض لا بسبب عقد السلم . ولكنا نقول قد ثبت بالنص أن رب السلم ممنوع شرعا من أن يأخذ غير رأس المال وغير المسلم فيه فلو جوزنا الاستبدال بعد الإقالة أدى إلى ذلك ، وإنما لا يجوز الاستبدال بالمسلم فيه قبل الإقالة بهذا المعنى لما فيه من تفويت [ ص: 44 ] القبض المستحق بالعقد فالإبراء عن المسلم فيه يصح بالاتفاق ، وهذا المعنى موجود في الاستبدال برأس المال بعد الإقالة فيكون ذلك فاسدا شرعا

فإن كان رأس مال السلم عوضا فصالح عليه ، ثم هلك قبل أن يقبضه فعلى المسلم فيه قيمته ; لأن الإقالة لا تنقض بهلاك رأس المال قبل الفسخ ، فإن إقالة السلم بعدما صح لا تحتمل الفسخ ; لأن المسلم فيه كان دينا ، وقد سقط بالإقالة ، والساقط متلاش لا يتصور عوده ، ولهذا لو أراد فسخ الإقالة لم يملكها ، ولو اختلفا في رأس المال بعد الإقالة لم يتخالفا ، فإذا ثبت أن الإقالة باقية بعد هلاك العوض قلنا تعذر رد العين مع بقاء السبب الموجب للرد فتجب قيمته كالمغصوب ، وكذلك لو هلك قبل أن يتناقض السلم ; لأن ما لا يمنع بقاء الإقالة لا يمنع ابتداء الإقالة ، وهذا لأن السلم في حكم بيع المعاوضة ، فإن المسلم فيه بيع ، وهو قائم بمحله بعد هلاك رأس المال ، وهلاك أحد العوضين في المعاوضة لا يمنع الإقالة ابتداء وبقاء ، فإن كان للسلم كفيل يبرأ الكفيل حين وقع الصلح على رأس المال ; لأن الأصيل برئ عن المسلم فيه ; لأنه لو كان بدلا عنه لم تصح الإقالة ، فإن مبادلة الدين بالدين حرام لكنه دين آخر لزم الأصيل ، ولم يكفل به الكفيل ، ولا يجوز الصلح من السلم على جنس آخر سوى رأس المال ; لأنه استبدال بالمسلم فيه وذلك فاسد والأصل فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أسلمت في شيء ، فلا تصرفه في غيره } .

التالي السابق


الخدمات العلمية