الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون .

عطف على انظر كيف نصرف الآيات ، أي لعلهم يفقهون فلم يفقهوا وكذبوا . وضمير به عائد إلى العذاب في قوله على أن يبعث عليكم عذابا ، وتكذيبهم به معناه تكذيبهم بأن الله يعذبهم لأجل إعراضهم .

والتعبير عنهم بـ " قومك " تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم ، كقوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، وقال طرفة :


وظلم ذوي القربى أشد مضـاضة على المرء من وقع الحسام المهند

وتقدم وجه تعدية فعل ( كذب ) بالباء عند قوله تعالى وكذبتم به في هذه السورة .

وجملة وهو الحق معترضة لقصد تحقيق القدرة على أن يبعث عليهم عذابا إلخ .

وقد تحقق بعض ذلك بعذاب من فوقهم وهو عذاب القحط ، وبإذاقتهم بأس المسلمين يوم بدر .

[ ص: 287 ] ويجوز أن يكون ضمير به عائدا إلى القرآن ، فيكون قوله وكذب به رجوعا بالكلام إلى قوله قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ، أي كذبتم بالقرآن ، على وجه جعل " من " في قوله " من ربي " ابتدائية كما تقدم ، أي كذبتم بآية القرآن وسألتم نزول العذاب تصديقا لرسالتي وذلك ليس بيدي . ثم اعترض بجمل كثيرة . أولاها : وعنده مفاتح الغيب ، ثم ما بعده من التعريض بالوعيد ، ثم بنى عليه قوله وكذب به قومك وهو الحق فكأنه قيل : قل إني على بينة من ربي وكذبتم به وهو الحق قل لست عليكم بوكيل .

وقوله قل لست عليكم بوكيل إرغام لهم لأنهم يرونه أنهم لما كذبوه وأعرضوا عن دعوته قد أغاظوه ، فأعلمهم الله أنه لا يغيظه ذلك وأن عليه الدعوة فإن كانوا يغيظون فلا يغيظون إلا أنفسهم .

والوكيل هنا بمعنى المدافع الناصر ، وهو الحفيظ . وتقدم عند قوله تعالى وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل في سورة آل عمران .

وتعديته بـ ( على ) لتضمنه معنى الغلبة والسلطة ، أي لست بقيم عليكم يمنعكم من التكذيب ، كقوله تعالى فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ . وجملة لكل نبإ مستقر مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأن قوله وهو الحق يثير سؤالهم أن يقولوا : فمتى ينزل العذاب . فأجيبوا بقوله لكل نبإ مستقر .

والنبأ : الخبر المهم ، وتقدم في هذه السورة . فيجوز أن يكون على حقيقته ، أي لكل خبر من أخبار القرآن ، ويجوز أن يكون أطلق المصدر على اسم المفعول ، أي لكل مخبر به ، أي ما أخبروا به من قوله أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية .

والمستقر وقت الاستقرار ، فهو اسم زمانه ، ولذلك صيغ بوزن اسم المفعول ، كما هو قياس صوغ اسم الزمان المشتق من غير الثلاثي . والاستقرار بمعنى الحصول ، أي لكل موعود به وقت يحصل فيه . وهذا تحقيق للوعيد وتفويض زمانه إلى علم الله تعالى . وقد يكون المستقر هنا مستعملا في الانتهاء والغاية مجازا ، كقوله تعالى [ ص: 288 ] والشمس تجري لمستقر لها ، وهو شامل لوعيد الآخرة ووعيد الدنيا ولكل مستقر . وعن السدي : استقر يوم بدر ما كان يعدهم به من العذاب .

وعطف سوف تعلمون على جملة لكل نبإ مستقر أي تعلمونه ، أي هو الآن غير معلوم وتعلمونه في المستقبل عند حلوله بكم . وهذا أظهر في وعيد العذاب في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية