الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب

مقصد إبراهيم عليه السلام التنبيه على اختصاره في الدعاء، وتفويضه إلى [ ص: 257 ] ما علم الله من رغائبه وحرصه على هداية بنيه والرفق بهم، وغير ذلك. ثم انصرف إلى الثناء على الله تعالى بأنه علام الغيوب، وإلى حمده على هباته، وهذه من الآيات المعلمة أن علم الله تعالى بالأشياء هو على التفصيل التام.

وروي في قوله: على الكبر أنه لما ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبعة عشر عاما، وروي أقل من هذا، وإسماعيل أسن من إسحاق فيما روي، وبحسب ترتيب هذه الآية، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: بشر إبراهيم وهو ابن مائة وسبعة عشر عاما.

وقوله: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي . دعا إبراهيم عليه السلام في أمر كان مثابرا عليه، متمسكا به، ومتى دعا الإنسان في مثل هذا فإنما القصد إدامة ذلك الأمر واستمراره، وقرأ طلحة والأعمش : "دعاء ربنا" بغير ياء، وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير : "دعاي" بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم في الوصل دون الوقف، وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف، وروى ورش عن نافع إثبات الياء في الوصل، وقرأت فرقة: "ولوالدي"، واختلف في تأويل ذلك، فقالت فرقة: كان هذا من إبراهيم قبل يأسه من إيمان أبيه وتبينه أنه عدو لله، فأراد أباه وأمه لأنها كانت مؤمنة، وقيل: أراد أمه ونوحا عليه السلام، وقيل: أراد آدم وحواء لأن أمه لم تكن مؤمنة، وقيل أراد آدم ونوحا عليهما السلام، وقرأ سعيد بن جبير : "ولوالدي" بإفراد الأب وحده، وهذا يدخله ما تقدم من التأويلات، وقرأ الزهري ، وإبراهيم النخعي : "ولولدي" على أنه دعاء لإسماعيل وإسحاق، وأنكرها عاصم الجحدري ، وقال إن في مصحف أبي بن كعب : "ولأبوي"، وقرأ يحيى بن يعمر: "ولولدي" بضم الواو وسكون اللام، والولد لغة في الولد، ومنه ما أنشده أبو علي وغيره:


فليت زيادا كان في بطن أمه ... وليت زيادا كان ولد حمار



ويحتمل أن يكون الولد جمع ولد، لا كأسد في جمع أسد.

[ ص: 258 ] وقوله: يوم يقوم الحساب يعني: يوم يقوم الناس للحساب، فأسند القيام للحساب إيجازا إذ المعنى مفهوم، ويتوجه أن يريد قيام الحساب نفسه، ويكون القيام بمعنى ظهوره وتلبس العباد بين يدي الله به كما تقول: قامت السوق، وقامت الصلاة، كما قال: وقامت الحرب على ساق.

التالي السابق


الخدمات العلمية