الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
نزول السكينة والملائكة عند القراءة

وقال الليث : حدثني يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن الحضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ، وفرسه مربوطة عنده ، إذ جالت الفرس ، فسكت فسكنت ، ثم قرأ فجالت فسكت فسكنت ، ثم قرأ فجالت الفرس ، فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها ، فأشفق أن تصيبه ، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأ يا ابن حضير ، اقرأ يا ابن حضير . قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي وانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة ، فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها قال : أوتدري ما ذاك ؟ . قال : لا ، قال : الملائكة دنت لصوتك ، ولو قرأت لأصبحت [ ص: 55 ] ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم . قال ابن الهاد : وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن حضير .

هكذا أورد البخاري هذا الحديث معلقا ، وفيه انقطاع في الرواية الأولى ، فإن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني تابعي صغير لم يدرك أسيدا لأنه مات سنة عشرين ، وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما . ثم فيه غرابة من حيث إنه قال : وقال الليث : حدثني يزيد بن الهاد ولم أره بسند متصل عن الليث بذلك ، إلا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف أن يحيى بن عبد الله بن بكير رواه عن الليث كذلك .

وقد رواه الإمام أبو عبيد في فضائل القرآن فقال : حدثنا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير ، عن الليث ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أسيد بن حضير ، فذكر الحديث إلى آخره ، ثم قال : [ قال ] ابن الهاد : وحدثني عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، عن أسيد بن حضير بهذا .

وقد رواه النسائي في فضائل القرآن ، عن محمد بن عبد الله بن [ عبد ] الحكم عن شعيب بن الليث ، وعن علي بن محمد بن علي ، عن داود بن منصور ، كلاهما عن الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن يزيد بن عبد الله ، وهو ابن الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، عن أسيد ، به . ورواه يحيى بن بكير ، عن الليث كذلك أيضا ، فجمع بين الإسنادين . ورواه في المناقب عن أحمد بن سعيد الرباطي ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد ، أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده ، الحديث . ولم يقل : عن أسيد ، ولكن ظاهره أنه عنه ، والله أعلم .

وقال أبو عبيد : حدثني عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن ابن شهاب ، عن ابن كعب بن مالك ، عن أسيد بن حضير : أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت ، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه .

حدثنا قبيصة ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أسيد بن حضير قال : قلت : يا رسول الله ، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة ، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت [ ص: 56 ] وجبة من خلفي ، حتى ظننت أن فرسي تطلق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ أبا عتيك [ مرتين ] قال : فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ أبا عتيك . فقال : والله ما استطعت أن أمضي فقال : تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن ، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق سمع البراء يقول : بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض ، أو قال : فرسه يركض ، فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : تلك السكينة نزلت للقرآن ، أو تنزلت على القرآن . وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة . والظاهر أن هذا هو أسيد بن حضير - رضي الله عنه - فهذا ما يتعلق بصناعة الإسناد ، وهذا من أغرب تعليقات البخاري ، رحمه الله ، ثم سياق ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند القراءة .

وقد اتفق نحو هذا الذي وقع لأسيد بن الحضير لثابت بن قيس بن شماس كما قال أبو عبيد :

حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم ، عن عمه جرير بن زيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له : ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح ؟ قال : فلعله قرأ سورة البقرة . قال : فسئل ثابت فقال : قرأت سورة البقرة .

وفي الحديث المشهور الصحيح : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه فيما بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده رواه مسلم عن أبي هريرة .

ولهذا قال الله تبارك وتعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، وجاء في بعض التفاسير : أن الملائكة تشهده . وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون .

التالي السابق


الخدمات العلمية