الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويعتبر لوجوبها شرطان : أحدهما : إن قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، والصاع خمسة أرطال بالعراقي ، فيكون ذلك ألفا وستمائة رطل إلا الأرز والعلس - نوع من الحنطة يدخر في قشره - فنصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق ، وعنه : أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ، ثم يؤخذ عشره يابسا ، وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ، فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر ، وقال القاضي : لا يضم ، ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب ، وعنه : أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض ، وعنه : يضم الحنطة إلى الشعير ، والقطنيات بعضها إلى بعض .

                                                                                                                          الثاني : أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة ، ولا يجب فيما يكتسبه اللقاط ، أو يأخذه بحصاده ، ولا فيما يجتنيه من المباح ، كالبطم والزعبل وبزر قطونا ونحوه ، وقال القاضي : فيه الزكاة إذا ثبت في أرضه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويعتبر لوجوبها شرطان ، أحدهما : أن قدره بعد التصفية في [ ص: 342 ] الحبوب والجفاف في الثمار ) فلا يجب في أقل من ذلك ؛ لقوله - عليه السلام - : " ليس فيما دون خمسة أوسق من ثمر ولا حب صدقة " رواه أحمد ، ومسلم . فتقديره بالكيل يدل على إناطة الحكم به ، ولا يعتبر له الحول لتكامل النماء عند الوجوب ، بخلاف غيره ، ويشترط كون النصاب بعد التصفية في الحبوب ؛ لأنه حال الكمال والادخار والجفاف في الثمار ؛ لأن التوسيق لا يكون إلا بعد التحقيق ، فوجب اعتباره عنده ، فلو كان عشرة أوسق عنبا لا يجيء منه خمسة أوسق زبيبا لم يجب شيء ( والوسق ) بفتح الواو وكسرها ( ستون صاعا ) لقوله - عليه السلام - : " الوسق ستون صاعا " رواه الأثرم بإسناده من حديث سلمة بن صخر ، وعن أبي سعيد وجابر ، ونحوه رواه ابن ماجه ، وهذا أشهر في اللغة ، وتوارد عليه علماء الشريعة ، فيكون ثلاثمائة صاع ، ( والصاع خمسة أرطال بالعراقي ) وهو رطل وسبع دمشقي فرد على الثلاثمائة سبعها ، تكن ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا ، وستة أسباع رطل بالدمشقي على ما حكاه في " المغني الجديد " أن الرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وبالقدسي وما وافقه : مائتان وسبعة وخمسون رطلا وسبع رطل ، وبالحلبي وما وافقه : مائتان وخمسة وثمانون رطلا وخمسة أسباع رطل ، وبالمصري وما وافقه : ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلا وأربعة أسباع رطل ( فيكون ذلك ) أي : بالعراقي ( ألفا وستمائة رطل ) وعلى ما ذكره أبو عبيد أنه بلا كسر : ثلاثمائة رطل وأحد وأربعون رطلا وثلث رطل ، والوسق والصاع كيلان لا صنجان ، وإنما نقل إلى الوزن ليحفظ وينقل ؛ إذ المكيل يختلف في الوزن ، فمنه ثقيل كالأرز والتمر ، ومتوسط كالحنطة [ ص: 343 ] والعدس ، وخفيف كالشعير والذرة ، والاعتبار في ذلك بالمتوسط ، نص عليه ، فيجب في الخفيف إذا قارب هذا الوزن ، وإن لم ييلغه ؛ لأنه في الكيل كالرزين ، قال : في " الفروع " : وأكثر الثمر أخف من الحنطة على الوجه الذي يكال شرعا ؛ لأن ذلك على هيئة غير مكبوس ، وعنه : أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي بالحنطة أي : بالرزين ؛ لأنه الذي يساوي العدس في وزنه ، وحكى القاضي عن ابن حامد أنه يعتبر أبعد الأمرين الكيل أو الوزن .



                                                                                                                          تنبيه : نصاب الزرع والثمرة تحديد في الأشهر ، لتحديد الشارع بالأوسق ، وعنه : تقريب ، فيؤثر نحو رطلين ومدين على الأول لا الثاني ، وجعله في " الرعاية " فائدة الخلاف ، وقدم الثانية ، ولا اعتبار بنقص ذلك في الأصح ، جزم به الأئمة ، وقال صاحب " التلخيص " : إذا نقص ما لو وزع على الخمسة أوسق ظهر فيها ، فلا زكاة ، وإلا وجبت .



                                                                                                                          فرع : إذا شك في بلوغ قدر النصاب احتاط ، وأخرج ولم تجب ؛ لأنه الأصل ، قاله في " المغني " و " الشرح " و " منتهى الغاية " ، ومن اتخذ وعاء يسع خمسة أرطال وثلثا من البر الرزين ، ثم كال به ما شاء ، عرف أبلغ حد الوجوب من غيره ، نص عليه ( إلا الأرز والعلس نوع من الحنطة ) وهو منقول عن أئمة اللغة والفقه ( يدخر في قشره ) عادة لحفظه ( فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره ) ؛ لأن أهله زعموا أنه يخرج على النصف ، وأنه إذا خرج من قشره لا يبقى كغيره ، فيجب العشر إذا بلغا ذلك ؛ لأن فيه خمسة أوسق حبا ، وإن صفيا فخمسة أوسق ، ويختلف ذلك بثقل وخفة ، فيرجع إلى أهل الخبرة ، [ ص: 344 ] ويؤخذ بقدره ( وعنه : أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ، ثم يؤخذ عشره يابسا ) لما روى أبو داود والترمذي بإسنادهما عن عتاب بن أسيد : " أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، فيؤخذ زكاته زبيبا كما يؤخذ صدقة النخل تمرا " ، وما وجب خرصه اعتبر بحال رطوبته ، كما لو كانت الثمرة لا ، وعنه : يعتبر نصابهما رطبا وعنبا ، اختاره الخلال وصاحبه ، والقاضي وأصحابه ، ويؤخذ عشر ما يجيء منه ، وحملها في " المغني " على أنه أراد أن يؤخذ عشر ما يجيء منه من التمر إذا بلغ رطبها خمسة أوسق ؛ لأن إيجاب قدر عشر الرطب من التمر إيجاب لأكثر من العشر ، وذلك مخالف للنص والإجماع ، ورده الزركشي بأن أحمد قال في رواية الأثرم : قال الشافعي : يخرص ما يئول إليه ، وإنما هو على ظاهر الحديث ، قيل له : فإن خرص عليه مائة وسق رطبا يعطي عشرة أوسق تمرا ؛ قال : نعم ، هو على ظاهر الحديث ، فهذا نص صريح في مخالفة التأويل ( وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب ) لعموم الخبر ، وكما لو بدا صلاح إحداهما قبل الأخرى ؛ وهو محمول على اختلاف الأنواع كالبرني والمعقل ، وسواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلف ، أو تعدد البلد أو لا ، نص عليه ، فيأخذ عامل البلد حصته من الواجب في محل ولاية ، وعنه : لا يجوز لنقص ما في ولايته عن نصاب ، فيخرج المالك فيما بينه وبين الله ، وليس المراد بالعام هنا اثني عشر شهرا ، بل وقت استغلال المغل من العام عرفا ، وأكثره عادة ستة أشهر بقدر فصلين ، وعلم منه أنه لا يضم ثمرة عام ، أو زرعه إلى آخر ( فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ، ضم أحدهما إلى الآخر ) لزرع العام الواحد ، وكالذرة التي تنبت مرتين ( وقال القاضي : لا يضم ) لقدرته مع بيان أصله ، فهو لثمرة عام آخر ، بخلاف [ ص: 345 ] الزرع فعليه لو كان له نخل يحمل بعضه في السنة حملا ، وبعضه حملين ، ضم ما يحمل حملا إلى أيهما بلغ معه ، وإن كان بينهما ، قال : أقربهما إليه ( ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب ) اختاره المؤلف وغيره ، وصححه في " الشرح " كأجناس الثمار والماشية ( وعنه : أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض ) نقلها جماعة ، وصححها القاضي وغيره ، وقدمها في " المحرر " واختارها أبو بكر لاتفاقهما في قدر النصاب والمخرج كضم أنواع الجنس ( وعنه : يضم الحنطة إلى الشعير ، والقطنيات بعضها إلى بعض ) اختاره الخرقي ، وأبو بكر ، وجماعة ، وجزم به في " الوجيز " لأن ذلك يتقارب منفعة ، أشبه نوعي الجنس ، وعليها تضم الأبازير بعضها إلى بعض ، وكذا حب البقول لتقارب المقصود ، والذرة إلى الدخن ، وكل ما يقارب من الحبوب ضم ، ومع المسك لا ضم ؛ لأن الأصل عدم الوجوب ( الثاني : أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة ) وهو بدو الصلاح ( ولا يجب فيما يكتسبه اللقاط ) من السنبل ( أو يأخذه ) أجرة ( بحصاده ) ، وكذا ما ملكه بعد بدو الصلاح بشراء أو إرث أو غيره ، بخلاف العسل للأثر ( ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم ، والزعبل ) بوزن جعفر ؛ وهو شعير الجبل ( وبزر قطونا ونحوه ) كحب النمام ، وبزر البقلة ، وهذا هو المشهور ؛ لأن وقت الوجوب لم يملكه ، فلم تجب ، كما لو اتهبه ( وقال القاضي : ) وأبو الخطاب ( فيه الزكاة ) لكونه مكيلا مدخرا ( إذا ثبت في أرضه ) وهو مبني على أن المباح إذا ثبت في أرضه هل يملك الأرض أو يأخذه ، والأصح أنه لا يملكه بملكها ، بل يأخذه ، فإن ثبت بنفسه ما يزرعه الآدمي كمن سقط له حب [ ص: 346 ] حنطة في أرضه أو أرض مباحة ففيه الزكاة ؛ لأنه ملكه وقت الوجوب .




                                                                                                                          الخدمات العلمية