الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في الجنين ( ضرب بطن امرأة حرة ) حامل [ ص: 588 ] خرج الأمة والبهيمة وسيجيء حكمهما .

قلت : بل الشرط حرية الجنين دون أمه كأمة علقت من سيدها أو من المغرور ففيه الغرة على العاقلة درر عن الزيلعي فالعجب من المصنف كيف لم يذكره ( ولو ) كانت ( المرأة كتابية أو مجوسية ) أو زوجته ( فألقت جنينا ميتا ) حرا ( وجب ) على العاقلة ( غرة ) غرة الشهر أوله وهذه أول مقادير الدية ( نصف عشر الدية ) أي دية الرجل لو كان الجنين ذكرا وعشر دية المرأة لو أنثى وكل منهما خمسمائة درهم ( في سنة ) وقال الشافعي : في ثلاث سنين كالدية . وقال مالك : في ماله ولنا فعله عليه الصلاة والسلام ( فإن ألقته حيا فمات فدية كاملة [ ص: 589 ] وإن ألقته ميتا فماتت الأم فدية ) في الأم ( وغرة ) في الجنين لما تقرر أن الفعل يتعدد بتعدد أثره وصرح في الذخيرة بتعدد الغرة لو ميتين فأكثر ا هـ .

قلت : وظاهره تعدد الدية ولم أره فليراجع ( وإن ماتت فألقته فدية فقط ) وقال الشافعي : غرة ودية ( وإن ألقته حيا بعدما ماتت يجب عليه ديتان كما إذا ألقته حيا وماتا وما يجب فيه ) من غرة أو دية ( يورث عنه وترث ) منه ( أمه ولا يرث ضاربه ) منها ( فلو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها ) لأنه قاتل ( وفي جنين الأمة ) الرقيق الذكر ( نصف عشر قيمته لو حيا وعشر قيمته لو أنثى ) لما تقرر أن دية الرقيق قيمته ولا يلزم زيادة الأنثى لزيادة قيمة الذكر غالبا وفيه إشارة إلى أنه إذا لم يمكن الوقوف على كونه ذكرا أو أنثى فلا شيء عليه كما إذا ألقي بلا رأس لأنه إنما تجب القيمة إذا نفخ فيه الروح ولا تنفخ من غير رأس ذخيرة ( في مال الضارب ) للأمة ( حالا ) ولو ألقته حيا وقد نقصتها الولادة فعليه قيمة الجنين لا نقصانها لو بقيمته [ ص: 590 ] وفاء به ، وإلا فعليه إتمام ذلك مجتبى .

وقال أبو يوسف : فيه لنقصانها كالبهيمة . وقال الشافعي : فيه عشر قيمة الأم صدر الشريعة ولا يخفى أنها للمولى ( فإن حرره ) أي الجنين ( سيده بعد ضربه ) ضرب بطن الأمة ( فألقته ) حيا ( فمات ففيه قيمته حيا ) للمولى لا ديته وإن مات بعد العتق لأن المعتبر حالة الضرب ، وعند الثلاثة تجب دية وهو رواية عنا .

التالي السابق


فصل في الجنين لما أنهى الكلام على أحكام الأجزاء الحقيقية عقبه بأحكام الجزء الحكمي وهو الجنين لكونه في حكم الجزء من الأم ، وهو فعيل بمعنى مفعول من جنه إذا ستره من باب طلب ، وهو الولد ما دام في الرحم ط ملخصا ويكفي استبانة بعض خلقه كظفر وشعر كما سيأتي متنا ( قوله ضرب بطن امرأة ) وكذا لو ضرب ظهرها أو جنبها أو رأسها أو عضوا من أعضائها فتأمل رملي ، ونحوه في أبي السعود عن التحرير ، وقال السائحاني : يؤخذ مما يأتي من قوله : أسقطته بدواء أو فعل أن البطن والضرب ليسا بقيد ، حتى لو ضرب رأسها أو عالجت فرجها ففيه الضمان كما صرحوا به ا هـ . [ ص: 588 ] وقال في الخيرية : وقد أفتى والد شيخنا أمين الدين بن عبد العال إذا صاح على امرأة فألقت جنينا لا يضمن وإذا خوفها بالضرب يضمن .

وأقول : وجه الفرق أن في موتها بالتخويف وهو فعل صادر منه نسب إليه وبالصياح موتها بالخوف الصادر منها وصرحوا أنه لو صاح على كبير فمات لا يضمن ، وأنه لو صاح عليه فجأة فمات منها تجب الدية . وأقول : لا مخالفة ; لأنه في الأول مات بالخوف المنسوب إليه ، وفي الثاني بالصيحة فجأة المنسوبة إلى الصائح والقول للفاعل أنه مات من الخوف ، وعلى الأولياء البينة أنه من التخويف . وعلى هذا فلو صاح على المرأة فجأة فألقت من صيحته يضمن ولو ألقت امرأة غيرها لا يضمن لعدم تعديه عليها فتأمله فإنه تحرير جيد ا هـ ملخصا ( قوله خرج الأمة والبهيمة ) فيه نشر مشوش ( قوله وسيجيء حكمها ) أي في هذا الفصل ( قوله أو من المغرور ) كما لو تزوجها على أنها حرة أو شراها فاستحقت وقد علقت منه ( قوله فالعجب من المصنف كيف لم يذكره ) أي مع شدة متابعته للدرر ، فكان عليه أن يسقط التقييد بالحرية أولا ويذكره بعد قوله فألقت جنينا ميتا كما فعل الشارح ، أو يقول : ضرب بطن امرأة حامل بحر لئلا يوهم أن حرية الأم شرط ( قوله غرة الشهر أوله إلخ ) بيان لوجه التسمية ( قوله وهذه أول مقادير الدية ) فإن أقل أرش مقدر نصف العشر كما مر في الشجاج ( قوله أي دية الرجل إلخ ) يعني أن المراد من الدية في كلام المصنف دية الرجل ونصف عشرها هو خمسمائة درهم ، وذلك هو غرة الجنين ذكرا أو أنثى ; لأن غرة الجنين الأنثى عشر دية المرأة وذلك خمسمائة أيضا ; لأن دية المرأة نصف دية الرجل . وحاصله : أنه لا فرق بين غرة الذكر والأنثى ولهذا لم يبين المصنف أنه ذكر أو أنثى ( قوله في سنة ) أي على العاقلة كما سيصرح به وهذا في جنين الحرة ، أما الأمة ففي مال الضارب حالا كما سيأتي ( قوله ولنا فعله عليه الصلاة والسلام ) وهو ما روي عن محمد بن الحسن أنه قال { بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالغرة على العاقلة في سنة } زيلعي .

واعلم أن وجوب الغرة مخالف للقياس . روي أن سائلا قال لزفر : لا يخلو من أنه مات بالضرب ففيه دية كاملة ، أو لم ينفخ فيه الروح فلا شيء فيه فسكت زفر فقال له السائل : أعتقتك سائبة فجاء زفر إلى أبي يوسف فقال التعبد التعبد : أي ثابت بالسنة من غير أن يدرك بالعقل عناية ملخصا ( قوله فإن ألقته حيا ) تثبت حياته بكل ما يدل على الحياة من الاستهلال ، والرضاع ، والنفس ، والعطاس وغير ذلك : أما لو تحرك عضو منه فلا ; لأنه قد يكون من اختلاج أو من خروج من ضيق ا هـ ط عن المكي ( قوله فدية كاملة ) أي وكفارة كما في الاختيار وسيأتي ; لأنه شبه عمد أو خطأ والدية على العاقلة هنا أيضا ، وبه صرح في الجوهرة والاختيار ، فقول المصنف في المنح : على الضارب على حذف مضاف ، أو مبني على الصحيح من أن الوجوب على الضارب أولا ، ثم تتحمله [ ص: 589 ] عنه العاقلة كما قدمناه في فصل الفعلين ، ولذا لم يقل في ماله تأمل ( قوله وإن ألقته ميتا فماتت الأم إلخ ) بيان لموت كل منهما وهو أربع صور ; لأن خروجه إما في حال حياة الأم فقط أو حال موتهما أو موتها فقط أو حياتهما .

( قوله لما تقرر إلخ ) كما إذا رمى فأصاب شخصا ونفذ منه إلى آخر فقتله فإنه يجب عليه ديتان إن كانا خطأ وإن كان الأول عمدا يجب القصاص والدية زيلعي ( قوله وظاهره تعدد الدية ) أي لو ألقهما حيين فماتا ( قوله ولم أره فليراجع ) أقول : صرح به في الجوهرة والدرر ، وقال الرملي : وفي شرح الطحاوي : ولو ألقت جنينين تجب غرتان ، وإن أحدهما حيا فمات والآخر ميتا فغرة ودية ، وإن ماتت الأم ثم خرجا ميتين تجب دية الأم وحدها إلا إذا خرجا حيين فماتا فثلاث ديات وعلى هذا يقاس ، وإن خرج أحدهما قبل موت الأم والآخر بعد موتها وهما ميتان ففي الذي خرج قبل الغرة ولا شيء في الذي خرج بعد ، والذي خرج قبل موت أمه لا يرث من دية أمه شيئا وترث الأم منه ، والآخر لا يرث من أحد ، ولا يورث عنه إلا إذا خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة ، ويرثها ورثته كذا في التتارخانية مختصرا ا هـ ( قوله فدية فقط ) ; لأن موت الأم سبب لموته ظاهرا إذ حياته بحياتها وتنفسه بتنفسها فيتحقق موته بموتها ، فلا يكون في معنى ما ورد به النص إذ الاحتمال فيه أقل فلا يضمن بالشك زيلعي .

( قوله ولا يرث ضاربه منها ) أي ولا من غيرها ; لأنه قاتل مباشرة ( قوله وفي جنين الأمة ) أي الذي ألقته ميتا كما هو موضوع المسألة ، قوله لو حيا راجع إلى قيمته : أي قيمته لو فرض حيا ، أما لو ألقته حيا ثم مات من ضربه ففيه القيمة بتمامها كما سيشير إليه الشارح ، وقوله : الرقيق احتراز عما إذا كان من مولاها أو من المغرور فإنه حر ، وفيه الغرة على العاقلة كما قدمه ، وقوله لو أنثى مقابل قوله الذكر لا قوله لو حيا . ( قوله ولا يلزم زيادة الأنثى ) أي فيما إذا كانت قيمتها أكثر من قيمة الغلام ; لأنه نادر والغالب زيادة قيمة الذكر .

أقول : وفيه نظر . وقد يقال : لا محذور في اللزوم المذكور ; لأن اعتبار زيادة الذكر على الأنثى إنما هو في الأحرار لشرف الحرية ، لا في الأرقاء ; لأنهم كالمتاع ولذا لم تقدر لهم دية ( قوله فلا شيء عليه ) تبع فيه القهستاني والذي في الكفاية والعناية وغيرهما أنه يؤخذ بالمتقن كقتل عبد خنثى خطأ ، ولو ضاع الجنين ووقع النزاع في قيمته باعتبار لونه وهيئته على تقدير حياته فالقول للضارب لإنكاره الزيادة ( قوله كما إذا ألقي بلا رأس ) تنظير لا تمثيل . أقول : وسيأتي أن ما استبان بعض خلقه كتام الخلقة ولعل المراد بعد استبانة الرأس إذ لا حياة بدونه بخلاف غيره من الأعضاء تأمل ( قوله في مال الضارب ) ; لأن العاقلة لا تعقل الرقيق اختيار تأمل ، وقوله للأمة كذا في بعض [ ص: 590 ] النسخ وهو متعلق بالضارب .

قال ط : وهذا حكم الجنين ، وأما إذا ماتت الأم قال في الهندية عن الذخيرة قال أبو حنيفة : على الضارب قيمة الأم في ثلاث سنين ا هـ فليتأمل ا هـ . أقول : والحاصل أن الجنين كعضو منها ، سيأتي آخر المعاقل أن الحر إذا جنى على نفس عبد خطأ فهي على عاقلته إذا قتله ; لأن العاقلة لا تتحمل أطراف العبد ( قوله به ) أي بنقصان الولادة ( قوله وإلا ) بأن انتقصت عشرة مثلا وقيمة الجنين خمسة فعليه عشرة ( قوله وقال أبو يوسف إلخ ) هذا غير ظاهر الرواية عن أبي يوسف قال في المبسوط : ثم وجوب البدل في جنين الأمة قول أبي حنيفة ومحمد ، وهو الظاهر من قول أبي يوسف وعنه في رواية أنه لا يجب إلا نقصان الأم إن تمكن فيها نقص ، وإن لم يتمكن لا يجب شيء عناية ( قوله بعد ضربه ) فلو حرره قبله وله أب حر ففيه الغرة للأب دون المولى تتارخانية .

( قوله ضرب بطن الأمة ) بدل من قوله ضربه وأشار إلى أن المصدر مضاف لمفعوله ، ويجوز عود الضمير إلى الجنين ، فيتحد مرجع الضمائر تأمل ( قوله للمولى ) قال أبو الليث : لم يذكر محمد أنها للمولى أو لورثة الجنين ، فيجوز أن يقال إنها للمولى لاستناد الضمائر إلى الضرب ووقت الضرب كان مملوكا أتقاني ملخصا وذكر في التتارخانية اختلاف المشايخ فيه : فقيل لورثته وقيل للجنين ( قوله ; لأن المعتبر حالة الضرب ) ; لأنه قتله بالضرب السابق ، وقد كان في حالة الرق ، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا ; لأنه صار قاتلا إياه وهو حي فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف هداية يعني أوجبنا القيمة دون الدية اعتبارا بحالة الضرب ، وأوجبنا قيمته حيا لا مشكوكا في حياته باعتبار حالة التلف إذ لو اعتبر حالة الضرب فقط جاز أن لا يكون حيا فلا تجب قيمته بل تجب الغرة كفاية ملخصا




الخدمات العلمية