الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم

                                                                                                                                                                                                قرأ طلحة : "وما استغفر إبراهيم لأبيه"، وعنه: "وما يستغفر إبراهيم"، على حكاية الحال الماضية، إلا عن موعدة وعدها إياه أي: وعدها إبراهيم أباه، وهو قوله: لأستغفرن لك [الممتحنة: 4]، ويدل عليه قراءة الحسن وحماد الراوية: "وعدها أباه" .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: كيف خفي على إبراهيم أن الاستغفار للكافر غير جائز حتى وعده ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: يجوز أن يظن أنه ما دام يرجى منه الإيمان، جاز الاستغفار له، على أن امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي، لأن العقل يجوز أن يغفر الله للكافر; ألا ترى إلى قوله -عليه السلام- لعمه: "لأستغفرن لك ما لم أنه"، وعن الحسن: قيل لرسول الله [ ص: 99 ] -صلى الله عليه وسلم-: إن فلانا يستغفر لآبائه المشركين، فقال: "ونحن نستغفر لهم" فنزلت. وعن علي -رضي الله عنه -: رأيت رجلا يستغفر لأبويه، وهما: مشركان، فقلت له، فقال: أليس قد استغفر إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: فما معنى قوله: فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: معناه: فلما تبين له من جهة الوحي أنه لن يؤمن وأنه يموت كافرا وانقطع رجاؤه عنه، قطع استغفاره; فهو كقوله: من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . لأواه : فعال، من أوه كلأل من اللؤلؤ، وهو الذي يكثر التأوه، ومعناه: أنه لفرط ترحمه، ورقته، وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر، ويستغفر له، مع شكاسته عليه، وقوله: " لأرجمنك" .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية