الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الرابع : أن تكون المنفعة مملوكة احترازا من الأوقاف ، والربط ، [ ص: 406 ] ومواضع الجلوس من المساجد ، والطرقات ، والمدارس ، وغير ذلك ، وهذا الشرط لم يذكره صاحب الجواهر ; بل اقتصر على سبعة شروط ، ( وغيره ذكر فروعه ولم يذكره ، فأردت أن أنبه عليه .

                                                                                                                قاعدة : فرق أصحابنا وغيرهم من العلماء بين ملك المنفعة وبين ملك أن ينتفع ، فهذه الأمور كلها ملك فيها أن ينتفع ، ولم يملك المنفعة حتى يعاوض عليها ، فلا يجوز لأحد أن يؤاجر بيت المدرسة ، أو موضع الجلوس في المسجد ; لأن الشرع أو الواقف إنما جعل له الانتفاع بنفسه فقط ، وغير ذلك فغير مأذون فيه ; فاعلم هذا الفرق .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في المقدمات : عن مالك في كراء دور مكة أربع روايات : المنع ، وقاله ( ح ) ; لأنها فتحت عنوة ، والجواز ، وقاله ( ش ) ; لأنها فتحت عنده صلحا ، أو من بها على أهلها عندنا على هذه الرواية ، ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنها فتحت عنوة ، والكراهة لتعارض الأدلة ، وتخصيصها بالموسم لكثرة الناس واحتياجهم للوقف ; لأن العنوة عندنا وقف .

                                                                                                                تمهيد : اتفق مالك والشافعي وغيره أنه - عليه السلام - دخل مكة مجاهرا بالأسلحة ، ناشرا للأولوية ، باذلا للأمان لمن دخل دار أبي سفيان ، وهذا لا يكون إلا في العنوة قطعا ، وإنما روي : أن خالد بن الوليد قتل قوما فوداهم - عليه السلام - وهو دليل الصلح .

                                                                                                                [ ص: 407 ] وجوابه : يجب أن يعتقد أنه أمن تلك الطائفة وعصم دماءهم جمعا بين الأدلة .

                                                                                                                تنبيه : مقتضى هذه المباحث والنقول أن يحرم كراء دور مصر وأراضيها ; لأن مالكا قد صرح في الكتاب وغيره أنها ‌‌‌‌فتحت عنوة ، ويلزم على ذلك تخطئة القضاة في إثبات الأملاك وعقود الإجارات ، غير أن أرض العنوة اختلف العلماء فيها : هل تصير وقفا لمجرد الاستيلاء ، أو للإمام قسمتها كسائر الغنائم ، أو هو مخير في ذلك ، والقاعدة المتفق عليها : أن وسائل الخلاف إذا اتصل ببعض أقوالها قضاء الحاكم تعين ذلك القول وارتفع الخلاف ، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك في أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف ، وتعين ما حكم به الحاكم ، هذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما .

                                                                                                                تنبيه : الليث بن سعد مصري ، وهو يقول : فتحت مصر صلحا ، ووافقه المؤرخون ، فكيف يستقيم قول مالك مع أنه حجازي ، والليث أخبره ببلده لا سيما والتواريخ تعضده ؟ ! .

                                                                                                                الجواب : قيل : إنها فتحت صلحا ، ثم نافقت ففتحت عنوة بعد ذلك ، وهذا مشهور في الإسكندرية أن عمرو بن العاص قاتلها مرتين ، وأنها نافقت بعد الفتح ، فأمر غيرها كذلك ، وكان تبعا لها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية