الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم

                                                                                                                                                                                                تاب الله على النبي كقوله: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [الفتح: 2]، وقوله: واستغفر لذنبك [محمد:19]، وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرون والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأوابين صفة الأنبياء، كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح. وقيل: معناه: تاب الله عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه، كقوله: عفا الله عنك [التوبة: 43]، في ساعة العسرة : في وقتها، والساعة مستعملة في معنى الزمان المطلق، كما استعملت الغداة والعشية واليوم [من الطويل]:


                                                                                                                                                                                                غداة طفت علماء بكر بن وائل ... .......................



                                                                                                                                                                                                [ ص: 101 ] [ومن الطويل] :


                                                                                                                                                                                                وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ...     عشية قارعنا جذام وحميرا



                                                                                                                                                                                                [ومن الطويل]:


                                                                                                                                                                                                إذا جاء يوما وارثي يبتغي الغنى ...     يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر



                                                                                                                                                                                                [ ص: 102 ] والعسرة: حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة من الظهر: يعتقب العشرة على بعير واحد، وفي عسرة من الزاد: تزودوا التمر المدود، والشعير المسوس، وإلهالة الزنخة، وبلغت بهم الشدة أن اقتسم التمرة اثنان، وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء، وفي عسرة من الماء، حتى نحروا الإبل، واعتصروا فروثها، وفي شدة زمان، من حمارة القيظ، ومن الجدب، والقحط، والضيقة الشديدة، كاد يزيغ قلوب فريق منهم : عن الثبات على الإيمان، أو عن اتباع الرسول في تلك الغزوة والخروج معه، وفي "كاد": ضمير الشأن، وشبهه سيبويه بقولهم: ليس خلق الله مثله . وقرئ: "يزيغ" بالياء، وفي قراءة عبد الله : "من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم"، يريد المتخلفين من المؤمنين، كأبي لبابة وأمثاله، ثم تاب عليهم : تكرير للتوكيد، ويجوز أن يكون الضمير للفريق: تاب عليهم لكيدودتهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية