الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الخامس : كون المنفعة غير متضمنة استيفاء عين ، وقاله الأئمة ، قال في الجواهر : احترازا من إجارة الأشجار لثمرها ، أو الغنم لنتاجها ولبنها وصوفها ; لأنه بيع للمعدوم وليس سلما ، ويستثنى من ذلك الشجرة تكون في الدار ثلث الكراء لأنها تبع ، والمرأة للرضاع والحضانة مع تضمنه لأعيان اللبن [ ص: 408 ] للضرورة . وفي الكتاب : تجوز إجارة الظئر على الرضاع ، وقاله الأئمة ، ونص الشافعية على إجارة البئر للاستقاء ، والدار فيها بئر ، وفي الكتاب : تجوز إجارة الظئر حولين ، ولها اشتراط طعامها وكسوتها ; لأنه منضبط عادة ، ويمنع زوجها من وطئها إن أذن في الإجارة ; لأن الوطء يقطع اللبن بالحمل أو يقله أو يفسده لما بين الثدي والرحم من المشاركة عند الأطباء ، وإلا فله فسخ الإجارة لحقه في الوطء ، وترضع حيث اشترطوا وإلا فعند الأبوين لأنه العادة ، إلا من لا ترضع مثلها عند الناس ، أو أب خسيس لا يؤتى إليه ، ويحمل كلف الصبي في دهنه وغيره على العادة ، وإذا حملت وخيف على الصبي فلهم فسخ الإجارة للضرر ، ولا يلزمها أن تأتي بغيرها لذهاب المنفعة المعينة ، وتنفسخ الإجارة بموت الصبي قياسا عليها . ولأن خلق الصبيان تختلف ولها بحساب ما أرضعت .

                                                                                                                نظائر : في المقدمات : المستوفى به المنفعة لا يحصل الفسخ إلا في أربع مسائل : صبيان ودابتان : صبي الرضاع ، وصبي المكتب ، ودابة الرياضة والتي ينزى عليها ، وقاله الأئمة في صبي الرضاع ، وفي الكتاب : إن سافر الأبوان فليس لهما أخذ الصبي إلا أن يدفعا لها جميع الأجرة ; لأن العقد لازم لهم .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب التنبيهات : الظئر : المرضع - بكسر الظاء - مهموزا ، وقد سهل ، وجمعه ظؤرة - بضم الظاء وسكون الهمزة - مثل غرفة ، ووقع في المدونة بضم الهمزة ، والأول الصواب ، ويجمع على ظؤار أيضا بالضم ، وأصله من الظآر بالكسر وهو عطف الناقة على ولدها ، قال صاحب النكت : إذا مات زوج الظئر وقد اشترط المقام عند الصبي رجعت لبيتها تعتد فيه ; لأن العدة أقوى من الشرط لكونها لحفظ النسب ، وهو مهم في نظر الشرع ، والفرق بين الظئر [ ص: 409 ] تخرج ، وبين المعتكفة لا تخرج : أن المعتكفة يمنعها من الفساد المسجد والاعتكاف ، فأمكن الجمع بين مصلحة العدة والعبادة ، قال ابن يونس : إذا شرطت الظئر مؤنتها لا يدخله طعام بطعام إلى أجل ; لأن النهي إنما ورد في الطعام المعتاد ، والرضاع لا يفهم عند إطلاق لفظ الحديث ، وقال أصبغ : لا يمنع الزوج الوطء إذا أذن إلا أن يشترطوا عليه ، أو تتبين ضرورة . وقاله ( ش ) ; لأن الحمل موهوم لقوله - عليه السلام - ( لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ) ولم ينه عنها ، وقول ابن القاسم أصلح ; لأن الزوج لا يكون موليا بترك الوطئ لمصلحة الولد ، وقاله ( ش ) ، وليس للزوج السفر بها إن أذن لها ، وإلا فله ، وينفسخ العقد ، قاله ابن عبد الحكم ، وإذا مات زوجها : قال ابن عبد الحكم : لهم فسخ الإجارة لفوات المبيت عندهم ، وقال ابن حبيب : إن لم تكن عادة في حمل كلف الصبي لم يلزمها إلا الرضاع ، إلا أن يشترط غيره ، قال اللخمي : تجوز الإجارة على الصبي الحاضر والغائب إن ذكر سنه ; لأن الرضاع يختلف باختلاف السن ، والأحسن تجريب رضاعه في قوته في الرضاع لأنه متقارب ، ومنع سحنون إلا بعد معرفته ، وليس لذات الزوج إجارة نفسها إلا بإذنه لاشتغالها بذلك عنه ، وألزم مالك إجارة الرضاع لذات الشرف ، قال : وأرى إن دخلت معرة على غيرها أن يفسخ ، وإذا مرضت الظئر انفسخت الإجارة إن لم يرج برؤها عن قرب ، وإن تبين خلافه : هل يمضى الفسخ لأنه حكم مضى أو يرد لتبين الخطأ ؟ كما اختلف في أخذ دية العين لنزول الماء ، ثم يذهب أو أخطأ الخارص ، فإن سجنت بكفالة في حق فكالمرض ينظر فيه إن [ ص: 410 ] تكفلت قبل الإجارة وإلا لم تسجن ; لأن الكفالة تطوع وليس لها التطوع بما يبطل الإجارة ، وفي كتاب ابن سحنون : لا يفسخ بموت الصبي ويؤتى بخلفه قياسا على غيره ، وإذا مات الأب قبل نقد الأجرة فسخ العقد ، مات موسرا أم لا لخراب ذمته بالموت ، وانتقال التركة للورثة ، فإن كان نقد : ففي الكتاب : ما بقي ( من الرضاع بين الورثة ، وقال أيضا : ما بقي ) مما قدم بينهم ، وليس بمنزلة الهبة ، بل بمنزلة النفقة ، تقدم ، وتبين عدم الاستحقاق ، وقال أشهب : ذلك للصبي دون الورثة كأنه وهبه له فقبضه ، وكذلك أجرة معلم الكتاب ، قال : وأرى إن مات الأب بعد سنتين يكون الباقي للصبي ; لأنه هبة ، أو في أول العقد كانت السنتان الأوليان ميراثا ; لأن الأب كان يظن أنها واجبة عليه فتبين خلافه ، وإن استأجر الأب ظئرا ثم ماتت الأم فحصل للصبي مال ميراثا : فالقياس : استئناف العقد ; لأنه بيسره سقط عن الأب رضاعه ، والاستحسان إمضاء ذلك ويأخذ الأب ما قدمه من مال الصبي إلا أن تكون في الأجرة محاباة فيسقط الغبن عن الابن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن مات الأب قبل النقد معسرا : فلها فسخ الإجارة للضرر ، ولو تطوع أحد بأدائها لم يفسخ لانتفاء الضرر ، وما وجب فيما مضى ففي ذمة الأب ، ولو أرضعته باقي المدة لم تتبعه بشيء ، وكذلك لو قالت : أرضعته على أن أتبعه فهي متبرعة لظاهر حال الصبي ، كمن أنفق على يتيم لا مال له ، وأشهد أنه يتبعه ، قال صاحب النكت : لا يكون ما قدمه الأب لمعلم الصبي [ ص: 411 ] ميراثا بخلاف الظئر ، والفرق : أن التعليم لا يجب عليه بخلاف الرضاع ، فلم يقصد الهبة إلا أن يعلم أنه قدمه خوف الموت فيكون هبة للصبي لا ميراثا ، وتستوي المسألتان ، قاله محمد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تجوز إجارة العبد الصانع على أن يأتيك بالغلة ما لم تضمنه أو تشترطه عليه في أصل الإجارة خراجا معلوما ; لأنه قد يعجز عنه ، ووضعه عليه بعد العقد من غير ضمان جائز ; لأنها منفعة ملكها بالعقد الصحيح ، قال اللخمي : عن مالك : منع استئجاره على أن يأتيه بالخراج ، وهو أصله فيمن اشترى شيئا على أن يعمل له ينظر إلى ما يصير إليه ذلك المشتري : إن كان مجهولا امتنع كالزرع على أن على البائع حصاده ودراسه ، والزيتون على أن عليه عصره فيمنع للجهل بصفته بعد الخروج ومقداره ، وهذا يدفع دنانير لا يدري ما يتحصل له بها في مدة الإجارة ، ويجوز أن يجعل عليه خراجا مضمونا إن كان الثمن عرضا ويأتيه بأحد النقدين ، وبالعكس حذرا من بيع النقد بالنقد ، وفي الكتاب : تمنع إجارة الأجير سنة بدنانير ; ليعمل لك في السوق على أن يأتيك بثلاثة دراهم كل يوم ; لأنه صرف مستأخر ، وإن كان على أن يعطيك به طعاما كان سلما بغير سعر معلوم ، وقد يكثر ويقل بالغلاء والرخص ، وقال ابن يونس : فإن اشترط عليه كل يوم مكيلة معلومة موصوفة : أجازه محمد ، وكرهه ابن القاسم لتخيل السلم الحال .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية