الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

* وأما المقتول هل مات بأجله أو قطع القاتل أجله؟

فالجواب: أن المقتول كغيره من الموتى، لا يموت أحد قبل أجله، ولا يتأخر أحد عن أجله، بل سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدم ولا تتأخر; فإن أجل الشيء هو نهاية مدته، وعمره مدة بقائه، فالعمر مدة البقاء، والأجل نهاية العمر بالانقضاء. [ ص: 38 ]

وقد ثبت في « صحيح مسلم» وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء».

وثبت في « صحيح البخاري» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض»، وفي لفظ: « ثم خلق السموات والأرض». وقد قال تعالى: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [الأعراف: 34].

والله يعلم ما كان قبل أن يكون، وقد كتب ذلك، فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن، أو ذات الجنب، أو الهدم أو الغرق أو غير ذلك من الأسباب، وهذا يموت مقتولا إما بالسم وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير ذلك من أسباب القتل. وعلم الله ذلك وكتابته له، بل مشيئته لكل شيء، وخلقه لكل شيء، لا يمنع المدح والذم والثواب والعقاب، بل القاتل إن قتل قتلا مما أمر الله به ورسوله كالمجاهد في سبيل الله، أثابه الله على ذلك، وإن قتل قتلا حرمه الله ورسوله كفعل القطاع [ ص: 39 ] والمتعدين، عاقبه الله على ذلك، وإن قتل قتلا مباحا كقتل المقتص، لم يثب ولم يعاقب، إلا أن يكون له نية حسنة أو سيئة في أحدهما.

والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا تبين قوله صلى الله عليه وسلم: « من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، فليصل رحمه»، فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال: إن وصل رحمه كتب له كذا وكذا. والملك لا يعلم أيزاد أم لا، ولكن الله يعلم ما يستقر الأمر عليه، فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر.

ولو لم يقتل المقتول فقد قال بعض القدرية: إنه كان يعيش، وقال بعض نفاة الأسباب: إنه كان يموت، وكلاهما خطأ، فإن الله علم أنه يموت بالقتل، فإذا قدر خلاف معلومه كان تقديرا لما لا يكون لو كان كيف كان يكون. وهذا قد يعلمه بعض الناس وقد لا يعلمه.

فلو فرضنا أن الله علم أنه لا يقتل أمكن أن يكون قدر موته في هذا الوقت، وأمكن أن يكون قدر حياته إلى وقت آخر، فالجزم بأحد هذين على التقدير الذي لا يكون جهل. وهذا كمن قال: لو لم يأكل هذا ما قدر له من الرزق قد كان يموت أو يرزق شيئا آخر. وبمنزلة من قال: لو لم يحبل هذا الرجل لهذه المرأة هل كانت عقيما أم يحبلها رجل [ ص: 40 ] آخر. ولم لم يزدرع هذه الأرض هل كان يزدرعها غيره أم كانت تكون مواتا لا زرع بها؟ وهذا الذي تعلم القرآن من هذا لو لم يتعلمه هل كان يتعلمه من هذا، أم لم يكن يتعلم القرآن البتة؟ ومثل هذا كثير.

التالي السابق


الخدمات العلمية