الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون

                                                                                                                                                                                                        4207 حدثني عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت إن ذلك لعظيم قلت ثم أي قال وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك [ ص: 11 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 11 ] قوله : ( باب ) كذا لهم بغير ترجمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال مجاهد إلى آخر ما أورده عنه من التفاسير ) سقط جميع ذلك للسرخسي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلى شياطينهم : أصحابهم من المنافقين والمشركين ) وصله عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : وإذا خلوا إلى شياطينهم قال : إلى أصحابهم ، فذكره . ومن طريق شيبان عن قتادة قال : إلى إخوانهم من المشركين ورءوسهم وقادتهم في الشر وروى الطبراني نحوه عن ابن مسعود ، ومن طريق ابن عباس قال : كان رجال من اليهود إذا لقوا الصحابة قالوا إنا على دينكم ، وإذا خلوا إلى شياطينهم - وهم أصحابهم - قالوا : إنا معكم . والنكتة في تعدية خلوا بإلى مع أن أكثر ما يتعدى بالباء أن الذي يتعدى بالباء يحتمل الانفراد والسخرية تقول : خلوت به إذا سخرت منه ، والذي يتعدى بإلى نص في الانفراد ، أفاد ذلك الطبري ويحتمل أن يكون ضمن " خلا " معنى ذهب . وعلى طريقة الكوفيين بأن حروف الجر تتناوب ، فإلى بمعنى الباء أو بمعنى مع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( محيط بالكافرين : الله جامعهم ) وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور عن مجاهد ، ووصله الطبري من وجه آخر عنه وزاد " في جهنم " ومن طريق ابن عباس في قوله : محيط بالكافرين قال : منزل بهم النقمة .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه )

                                                                                                                                                                                                        قوله : والله محيط بالكافرين جملة مبتدأ وخبر اعترضت بين جملة يجعلون أصابعهم وجملة يكاد البرق يخطف أبصارهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( صبغة : دين ) وصله عبد بن حميد من طريق منصور عن مجاهد قال : قوله صبغة الله أي دين الله ، ومن طريق ابن أبي نجيح عنه قال : صبغة الله أي فطرة الله ، ومن طريق قتادة قال : إن اليهود تصبغ أبناءها تهودا ، وكذلك النصارى ، وإن صبغة الله الإسلام ، وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن بعده انتهى وقراءة الجمهور صبغة بالنصب وهو مصدر انتصب عن قوله : ونحن له مسلمون على الأرجح ، وقيل منصوب على الإغراء أي الزموا ، وكأن لفظ صبغة ورد بطريق المشاكلة لأن النصارى كانوا يغمسون من ولد منهم في ماء المعمودية ويزعمون أنهم يطهرونهم بذلك ، فقيل للمسلمين الزموا صبغة الله فإنها أطهر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على الخاشعين : على المؤمنين حقا ) وصله عبد بن حميد عن شبابة بالسند المذكور عن مجاهد ، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال في قوله : إلا على الخاشعين قال : يعني الخائفين ، ومن طريق مقاتل بن حبان قال : يعني به المتواضعين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بقوة : يعمل بما فيه ) وصله عبد بالسند المذكور ، وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق أبي العالية [ ص: 12 ] قال : القوة : الطاعة ، ومن طريق قتادة والسدي قال : القوة : الجد والاجتهاد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : أبو العالية : مرض : شك ) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله تعالى في قلوبهم مرض أي شك ، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ، ومن طريق عكرمة قال : الرياء . ومن طريق قتادة في قوله : فزادهم الله مرضا أي نفاقا وروى الطبري من طريق قتادة في قوله : في قلوبهم مرض قال : ريبة وشك في أمر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وما خلفها : عبرة لمن بقي ) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله : فجعلناها نكالا لما بين يديها أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم وما خلفها أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا شية فيها لا بياض فيها ) تقدم في ترجمة موسى من أحاديث الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره : يسومونكم : يولونكم ) هو بضم أوله وسكون الواو ، والغير المذكور هو أبو عبيد القاسم بن سلام ذكره كذلك في " الغريب المصنف " وكذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في " المجاز " ومنه قول عمرو بن كلثوم : 206

                                                                                                                                                                                                        إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا

                                                                                                                                                                                                        ويحتمل أن يكون السوم بمعنى الدوام أي يديمون تعذيبكم ، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي . وقال : الطبري معنى يسومونكم يوردونكم أو يذيقونكم أو يولونكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الولاية مفتوحة ) أي مفتوحة الواو ( مصدر الولاء وهي الربوبية وإذا كسرت الواو فهي الإمارة ) هو معنى كلام أبي عبيدة ، قال في قوله تعالى هنالك الولاية لله الحق : الولاية بالفتح مصدر الولي . وبالكسر . ووليت العمل والأمر تليه . وذكر البخاري هذه الكلمة وإن كانت في الكهف لا في البقرة ليقوي تفسير يسومونكم يولونكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بعضهم : الحبوب التي تؤكل كلها فوم ) هذا حكاه الفراء في معاني القرآن عن عطاء وقتادة قال : الفوم كل حب يختبز . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما : أن الفوم الحنطة ، وحكى ابن جرير أن في قراءة ابن مسعود الثوم بالمثلثة . وبه فسره سعيد بن جبير وغيره ، فإن كان محفوظا فالفاء تبدل من الثاء في عدة أسماء فيكون هذا منها والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : قتادة فباءوا : فانقلبوا ) وصله عبد بن حميد من طريقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره : يستفتحون : يستنصرون ) هو تفسير أبي عبيدة ، وروى مثله الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس . ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال : أي يستظهرون . وروى ابن إسحاق في السيرة النبوية عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ لهم قالوا : فينا وفي اليهود نزلت ، وذلك أنا كنا قد علوناهم في الجاهلية فكانوا يقولون : إن نبيا سيبعث قد أظل زمانه فنقتلكم معه ، فلما بعث الله نبيه واتبعناه كفروا به . فنزلت . وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس مطولا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( شروا باعوا ) هو قول أبي عبيدة أيضا ، قال في قوله : ولبئس ما شروا به أنفسهم أي باعوا [ ص: 13 ] ، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( راعنا من الرعونة ، إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا راعنا ) قلت : هذا على قراءة من نون وهي قراءة الحسن البصري وأبي حيوة ، ووجهه أنها صفة لمصدر محذوف أي لا تقولوا قولا راعنا أي قولا ذا رعونة . وروى ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور عن الحسن قال : الراعن : السخري من القول ، نهاهم الله أن يسخروا من محمد . ويحتمل أن يضمن القول التسمية أي لا تسموا نبيكم راعنا . الراعن الأحمق والأرعن مبالغة فيه . وفي قراءة أبي بن كعب " لا تقولوا راعونا " وهي بلفظ الجمع . وكذا في مصحف ابن مسعود وفيه أيضا " أرعونا " وقرأ الجمهور راعنا بغير تنوين على أنه فعل أمر من المراعاة . إنما نهوا عن ذلك لأنها كلمة تقتضي المساواة ، وقد فسرها مجاهد : لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك . وعن عطاء : كانت لغة تقولها الأنصار فنهوا عنها . وعن السدي قال : كان رجل يهودي يقال له رفاعة بن زيد يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول له : ارعني سمعك واسمع غير مسمع ، فكان المسلمون يحسبون أن في ذلك تفخيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يقولون ذلك فنهوا عنه ، وروى أبو نعيم في " الدلائل " بسند ضعيف جدا عن ابن عباس قال : راعنا بلسان اليهود السب القبيح فسمع سعد بن معاذ ناسا من اليهود خاطبوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تجزي : لا تغني ) هو قول أبي عبيدة في قوله تعالى : لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا تغني ، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال : يعني لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خطوات من الخطو والمعنى آثاره ) قال : أبو عبيدة في قوله تعالى لا تتبعوا خطوات الشيطان : هي الخطا واحدتها خطوة ومعناها آثار الشيطان ، وروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال : خطوات الشيطان نزغات الشيطان . ومن طريق مجاهد خطوات الشيطان : خطاه . ومن طريق القاسم بن الوليد : قلت لقتادة فقال : كل معصية الله فهي من خطوات الشيطان ، وروى سعيد بن منصور عن أبي مجلز قال : خطوات الشيطان النذور في المعاصي . كذا قال ، واللفظ أعم من ذلك فمن في كلامه مقدرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابتلى اختبر ) هو تفسير أبي عبيدة والأكثر ، وقال الفراء : أمره ، وثبت هذا في نسخة الصغاني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون الأنداد جمع ند بكسر النون وهو النظير ، وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال : الند : العدل . ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال : الأنداد الأشباه وسقط لفظ " باب " لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        حديث ابن مسعود ( أي الذنب أعظم ) وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية