الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 991 ) مسألة : قال : ( والمني طاهر . وعن أبي عبد الله ، رحمه الله رواية أخرى ، أنه كالدم ) اختلفت الرواية عن أحمد في المني ، فالمشهور : أنه طاهر . وعنه أنه كالدم ، أي أنه نجس . ويعفى عن يسيره . وعنه : أنه لا يعفى عن يسيره . ويجزئ فرك يابسه على كل حال . والرواية الأولى هي المشهورة في المذهب ، وهو قول سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر . وقال ابن عباس : امسحه عنك بإذخرة أو خرقة ، ولا تغسله إن شئت . وقال ابن المسيب : إذا صلى فيه لم يعد . وهو مذهب الشافعي ، وأبي ثور وابن المنذر .

                                                                                                                                            وقال مالك : غسل الاحتلام أمر واجب . وعلى هذا مذهب الأوزاعي والثوري . وقال أصحاب الرأي : هو نجس ، ويجزئ فرك يابسه ; لما روت عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : ثم أرى فيه بقعة أو بقعا . وهو حديث صحيح . قال صالح : قال أبي : غسل المني من الثوب أحوط وأثبت في الرواية . وقد جاء الفرك أيضا عن عائشة رضي الله عنها { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المني يصيب الثوب : إن كان رطبا فاغسليه . وإن كان يابسا فافركيه } . وهذا أمر يقتضي الوجوب . ولأنه خارج معتاد من السبيل ، أشبه البول .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روت عائشة رضي الله عنها قالت { : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصلي فيه } . متفق عليه . وقال ابن عباس : امسحه عنك بإذخرة أو بخرقة ، ولا تغسله ، إنما هو كالبزاق والمخاط . رواه الدارقطني مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ولأنه لا يجب غسله إذا جف ، فلم يكن نجسا كالمخاط ، ولأنه بدء خلق آدمي ، فكان طاهرا كالطين ، ويفارق البول من حيث إنه بدء خلق آدمي . ( 992 ) فصل : فإن خفي موضع المني فرك الثوب كله ، إن قلنا بنجاسته ، وإن قلنا بطهارته استحب فركه .

                                                                                                                                            وإن صلى فيه من غير فرك ، أجزأه . وهذا مذهب الشافعي وغيره ممن قال بالطهارة . وقال ابن عباس : ينضح الثوب كله . وبه قال النخعي وحماد . ونحوه عن عائشة وعطاء . وقال ابن عمر وأبو هريرة والحسن : يغسل الثوب كله . ولنا ، أن فركه يجزئ إذا علم مكانه ، فكذلك إذا خفي ، وأما النضح فلا يفيد ، فإنه لا يطهره إذا علم مكانه ، فكذلك إذا خفي . وأما إذا قلنا بالطهارة فلا يجب شيء من ذلك ، لكن يستحب ، كحال العلم به .

                                                                                                                                            [ ص: 417 ] فصل : قال أحمد رحمه الله : إنما يفرك مني الرجل ، أما مني المرأة فلا يفرك ; لأن الذي للرجل ثخين ، والذي للمرأة رقيق . والمعنى في هذا أن الفرك يراد للتخفيف والرقيق لا يبقى له جسم بعد جفافه يزول بالفرك ، فلا يفيد فيه شيئا ، فعلى هذا إن قلنا بنجاسته ، فلا بد من غسله رطبا كان أو يابسا ، كالبول . وإن قلنا بطهارته ، استحب غسله ، كما يستحب فرك مني الرجل .

                                                                                                                                            وأما الطهارة والنجاسة فلا يفترقان فيه ; لأن كل واحد منهما مني ، وهو بدء لخلق آدمي ، خارج من السبيل . ( 994 ) فصل : فأما العلقة ، فقال ابن عقيل : فيها روايتان ، كالمني ; لأنها بدء خلق آدمي . والصحيح نجاستها ; لأنها دم ، ولم يرد من الشرع فيها طهارة ، وقياسها على المني ممتنع ، لكونها دما خارجا من الفرج ، فأشبهت دم الحيض ( 995 ) . فصل : ومن أمنى وعلى فرجه نجاسة نجس منيه ; لإصابته النجاسة ، ولم يعف عن يسيره لذلك . وذكر القاضي في المني من الجماع أنه نجس ; لأنه لا يسلم من المذي . وقد ذكرنا فساد هذا . فإن مني النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان من جماع ، وهو الذي وردت الأخبار بفركه ، والطهارة لغيره إنما أخذت من طهارته ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية