الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة والعشرون : قوله تعالى : { وأيديكم } : اليد : عبارة عما بين المنكب والظفر ، وهي ذات أجزاء وأسماء ; منها المنكب ، ومنها الكف ، والأصابع ، وهو محل البطش والتصرف العام في المنافع ، وهو معنى [ ص: 58 ] اليد ، وغسلهما في الوضوء مرتين : إحداهما عند أول محاولة الوضوء وهو سنة ، والثانية في أثناء الوضوء ، وهو فرض . ومعنى غسلهما عند الوضوء تنظيف اليدين لإدخالها [ في ] الإناء ومحاولة نقل الماء بهما ، ولا سيما عند الاستيقاظ من النوم ، فقد روى جميع الأئمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ; فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } . وروى عثمان وغيره صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلهم ذكروا { أنه غسل يديه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر } ، حتى بلغ مكانهما من علمائنا أن جعلوهما من سنن الوضوء . فقال ابن القاسم : إذا غسل يديه ثم تمضمض ثم تمادى في الوضوء ثم أحدث في أثنائه فإنه يعيد غسل يديه كما يعيد ما سبق من الوضوء . المسألة الخامسة والعشرون : قوله تعالى : { إلى المرافق } : فذكرها . واختلف العلماء في وجوب إدخالهما في الغسل .

                                                                                                                                                                                                              وعن مالك روايتان ، وذكر أهل التأويل في ذلك ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أن { إلى } بمعنى مع ، كما قال الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } معناه مع أموالكم .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن { إلى } حد ، والحد إذا كان من جنس المحدود دخل فيه ، تقول : [ ص: 59 ] بعتك هذا الفدان من هاهنا إلى هاهنا ، فيدخل الحد فيه . ولو قلت : من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ما دخل الحد في الفدان .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أن المرافق حد الساقط لا حد المفروض ; قاله القاضي عبد الوهاب . وما رأيته لغيره . وتحقيقه أن قوله : { وأيديكم } يقتضي بمطلقه من الظفر إلى المنكب ، فلما قال : { إلى المرافق } أسقط ما بين المنكب والمرفق ، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر ; وهذا كلام صحيح يجري على الأصول لغة ومعنى .

                                                                                                                                                                                                              وأما قولهم : إن { إلى } بمعنى مع فلا سبيل إلى وضع حرف موضع حرف ، إنما يكون كل حرف بمعناه ، وتتصرف معاني الأفعال ، ويكون معنى التأويل فيها لا في الحروف . ومعنى قوله : { إلى المرافق } على التأويل الأول : فاغسلوا أيديكم مضافة إلى المرافق ، وكذلك قوله : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } معناه مضافة إلى أموالكم . وقد روى الدارقطني وغيره عن جابر بن عبد الله ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ أدار الماء على مرفقيه } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية