الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نبع

                                                          نبع : نبع الماء ونبع ونبع ; عن اللحياني ، ينبع وينبع وينبع ; الأخيرة عن اللحياني ، نبعا ونبوعا : تفجر ، وقيل : خرج من العين ، ولذلك سميت العين ينبوعا ، قال الأزهري : هو يفعول من نبع الماء إذا جرى من العين ، وجمعه ينابيع ، وبناحية الحجاز عين ماء يقال لها ينبع تسقي نخيلا لآل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأما قول عنترة :


                                                          ينباع من ذفرى غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المقرم

                                                          فإنما أراد ينبع فأشبع فتحة الباء للضرورة فنشأت بعدها ألف ; فإن سأل سائل فقال : إذا كان ينباع إنما هو إشباع فتحة باء ينبع فما تقول في ينباع هذه اللفظة إذا سميت بها رجلا أتصرفه معرفة أم لا ؟ فالجواب أن سبيله أن لا يصرف معرفة ، وذلك أنه وإن كان أصله ينبع فنقل إلى ينباع فإنه بعد النقل قد أشبه مثالا آخر من الفعل ، وهو ينفعل مثل ينقاد وينحاز ، فكما أنك لو سميت رجلا ينقاد أو ينحاز لما صرفته فكذلك ينباع ، وإن كان قد فقد لفظ ينبع وهو يفعل فقد صار إلى ينباع الذي هو بوزن ينحاز ; فإن قلت : إن ينباع يفعال وينحاز ينفعل ، وأصله ينحوز ، فكيف يجوز أن يشبه ألف يفعال بعين ينفعل ؟ فالجواب أنه إنما شبهناه بها تشبيها لفظيا فساغ لنا [ ص: 178 ] ‌‌‌‌‌‌ذلك ولم نشبهه تشبيها معنويا فيفسد علينا ذلك ، على أن الأصمعي قد ذهب في ينباع إلى أنه ينفعل ، قال : ويقال انباع الشجاع ينباع انبياعا إذا تحرك من الصف ماضيا ، فهذا ينفعل لا محالة لأجل ماضيه ومصدره لأن انباع لا يكون إلا انفعل ، والانبياع لا يكون إلا انفعالا ، أنشد الأصمعي :


                                                          يطرق حلما وأناة معا     ثمت ينباع انبياع الشجاع

                                                          وينبوعه : مفجره . والينبوع : الجدول الكثير الماء ، وكذلك العين ، ومنه قوله تعالى : حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، والجمع الينابيع ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          ذكر الورود بها ، وساقى أمره     سوما ، وأقبل حينه يتنبع

                                                          والنبع : شجر ، زاد الأزهري : من أشجار الجبال تتخذ منه القسي . وفي الحديث ذكر النبع ، قيل : كان شجرا يطول ويعلو فدعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لا أطالك الله من عود ! " ، فلم يطل بعد ، قال الشماخ :


                                                          كأنها ، وقد براها الإخماس     ودلج الليل وهاد قياس
                                                          شرائج النبع براها القواس

                                                          قال : وربما اقتدح به ، الواحدة نبعة ، قال الأعشى :


                                                          ولو رمت في ظلمة قادحا     حصاة بنبع لأوريت نارا

                                                          يعني أنه مؤتى له حتى لو قدح حصاة بنبع لأروى له ، وذلك ما لا يتأتى لأحد ، وجعل النبع مثلا في قلة النار ; حكاه أبو حنيفة ، وقال مرة : النبع شجر أصفر العود رزينه ثقيله في اليد وإذا تقادم احمر ، قال : وكل القسي إذا ضمت إلى قوس النبع كرمتها قوس النبع لأنها أجمع القسي للأرز واللين ، يعني بالأرز الشدة ، قال : ولا يكون العود كريما حتى يكون كذلك ، ومن أغصانه تتخذ السهام ، قال دريد بن الصمة :


                                                          وأصفر من قداح النبع فرع     به علمان من عقب وضرس

                                                          يقول : إنه بري من فرع الغصن ليس بفلق . المبرد : النبع والشوحط والشريان شجرة واحدة ولكنها تختلف أسماؤها لاختلاف منابتها وتكرم على ذلك ، فما كان منها في قلة الجبل فهو النبع ، وما كان في سفحه فهو الشريان ، وما كان في الحضيض فهو الشوحط ، والنبع لا نار فيه ، ولذلك يضرب به المثل فيقال : لو اقتدح فلان بالنبع لأورى نارا إذا وصف بجودة الرأي والحذق بالأمور ، وقال الشاعر يفضل قوس النبع على قوس الشوحط والشريان :


                                                          وكيف تخاف القوم ، أمك هابل     وعندك قوس فارج وجفير
                                                          من النبع لا شريانة مستحيلة     ولا شوحط عند اللقاء غرور

                                                          والنباعة : الرماعة من رأس الصبي قبل أن تشتد ، فإذا اشتدت فهي اليافوخ . وينبع : موضع بين مكة والمدينة ، قال كثير :


                                                          ومر فأروى ينبعا فجنوبه     وقد جيد منه جيدة فعباثر

                                                          ونبايع : اسم مكان أو جبل أو واد في بلاد هذيل ; ذكره أبو ذؤيب فقال :


                                                          وكأنها بالجزع جزع نبايع     وأولات ذي العرجاء ، نهب مجمع

                                                          ويجمع على نبايعات . قال ابن بري : حكى المفضل فيه الياء قبل النون ، وروى غيره نبايع كما ذهب إليه ابن القطاع . وينابعا مضموم الأول مقصور : مكان ، فإذا فتح أوله مد ; هذا قول كراع ، وحكى غيره فيه المد مع الضم . ونبايعات : اسم مكان . وينابعات أيضا ، بضم أوله ، قال أبو بكر : وهو مثال لم يذكره سيبويه ، وأما ابن جني فجعله رباعيا ، وقال : ما أظرف بأبي بكر أن أورده على أنه أحد الفوائت ، ألا يعلم أن سيبويه قال : ويكون على يفاعل نحو اليحامد واليرامع ؟ فأما إلحاق علم التأنيث والجمع به فزائد على المثال غير محتسب به ، وإن رواه راو نبايعات فنبايع نفاعل كنضارب ونقاتل ، نقل وجمع ، وكذلك ينابعاوات . ونوابع البعير : المواضع التي يسيل منها عرقه . قال ابن بري : والنبيع أيضا العرق ، قال المرار :


                                                          ترى بلحى جماجمها نبيعا

                                                          وذكر الجوهري في هذه الترجمة عن الأصمعي قال : يقال قد انباع فلان علينا بالكلام أي انبعث . وفي المثل : مخرنبق لينباع أي ساكت لينبعث ومطرق لينثال . قال الشيخ ابن بري : انباع حقه أن يذكره في فصل بوع لأنه انفعل من باع الفرس يبوع إذا انبسط في جريه ، وقد ذكرناه نحن في موضعه من ترجمة بوع . والنباعة : الاست ، يقال : كذبت نباعتك إذا ردم ، ويقال بالغين المعجمة أيضا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية