الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل من ينجيكم قرأ عاصم ، وحمزة والكسائي ، وأبو جعفر: " قل من ينجيكم قل الله ينجيكم" مشددين . وقرأ يعقوب ، والقزاز عن عبد الوارث: بسكون النون وتخفيف الجيم . قال الزجاج : والمشددة أجود للكثرة . وظلمات البر والبحر: شدائدها; والعرب تقول لليوم الذي تلقى فيه شدة يوم مظلم ، حتى إنهم يقولون: يوم ذو كواكب ، أي: قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل . قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 58 ] قوله تعالى: تدعونه تضرعا أي مظهرين الضراعة ، وهي شدة الفقر إلى الشيء ، والحاجة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وخفية قرأ عاصم إلا حفصا: "وخفية" بكسر الخاء; وكذلك في [الأعراف] . وقرأ الباقون بضم الخاء ، وهما لغتان . قال الفراء: وفيها لغة أخرى بالواو ، ولا تصلح في القراءة ، خفوة ، وخفوة . ومعنى الكلام ، أنكم تدعونه في أنفسكم ، كما تدعونه ظاهرا: "لئن أنجيتنا" كذلك قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وأبو عمرو: "لئن أنجيتنا" وقرأ عاصم ، وحمزة والكسائي: "لئن أنجانا" بألف ، لمكان الغيبة في قوله: "تدعونه" . وكان حمزة ، والكسائي: وخلف يميلون الجيم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: من هذه يعني: في أي شدة وقعتم ، قلتم: "لئن أنجيتنا من هذه" . قال ابن عباس : و"الشاكرون" هاهنا: المؤمنون . وكانت قريش تسافر في البر والبحر ، فإذا ضلوا الطريق وخافوا الهلاك ، دعوا الله مخلصين ، فأنجاهم . فأما "الكرب" فهو الغم الذي يأخذ بالنفس ، ومنه اشتقت الكربة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية