الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( لا يسألون الناس إلحافا )

قال أبو جعفر : يقال : " قد ألحف السائل في مسألته " إذا ألح " فهو يلحف فيها إلحافا " . [ ص: 598 ]

فإن قال قائل : أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غير إلحاف ؟

قيل : غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئا على وجه الصدقة إلحافا أو غير إلحاف ، وذلك أن الله - عز وجل - وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف ، وأنهم إنما كانوا يعرفون بسيماهم . فلو كانت المسألة من شأنهم ، لم تكن صفتهم التعفف ، ولم يكن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة ، وكانت المسألة الظاهرة تنبئ عن حالهم وأمرهم .

وفي الخبر الذي : -

6228 - حدثنا به بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن هلال بن حصن ، عن أبي سعيد الخدري قال : أعوزنا مرة فقيل لي : لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته ! فانطلقت إليه معنقا ، فكان أول ما واجهني به : " من استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن سألنا لم ندخر عنه شيئا نجده " . قال : فرجعت إلى نفسي ، فقلت : ألا أستعف فيعفني الله ! فرجعت ، فما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا بعد ذلك من أمر حاجة ، حتى مالت علينا الدنيا فغرقتنا ، إلا من عصم الله . [ ص: 599 ]

.

الدلالة الواضحة على أن التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد ، وأن من كان موصوفا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافا أو غير إلحاف .

فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت ، فما وجه قوله : " لا يسألون الناس إلحافا " وهم لا يسألون الناس إلحافا أو غير إلحاف .

قيل له : وجه ذلك أن الله - تعالى ذكره - لما وصفهم بالتعفف ، وعرف عباده أنهم ليسوا أهل مسألة بحال بقوله : " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف " وأنهم إنما يعرفون بالسيما - زاد عباده إبانة لأمرهم ، وحسن ثناء عليهم ، بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال عنهم .

وقد كان بعض القائلين يقول : ذلك نظير قول القائل : " قلما رأيت مثل [ ص: 600 ] فلان " ! ولعله لم ير مثله أحدا ولا نظيرا .

وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6229 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا يسألون الناس إلحافا " قال : لا يلحفون في المسألة .

6230 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لا يسألون الناس إلحافا " قال : هو الذي يلح في المسألة .

6231 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لا يسألون الناس إلحافا " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " إن الله يحب الحليم الغني المتعفف ، ويبغض الغني الفاحش البذىء السائل الملحف قال : وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : إن الله - عز وجل - كره لكم ثلاثا : قيلا وقالا وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته ، حتى يلقى جيفة على فراشه ، لا يجعل الله له من نهاره ولا ليلته نصيبا . وإذا شئت رأيته ذا مال [ ينفقه ] في شهوته ولذاته وملاعبه ويعدله عن حق الله ، فذلك إضاعة المال ، وإذا شئت رأيته باسطا ذراعيه ، يسأل الناس في كفيه ، فإذا أعطي أفرط في مدحهم ، وإن منع أفرط في ذمهم .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التالي السابق


الخدمات العلمية