الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الرابع والستون والمائة بين قاعدة استثناء الكل من الكل وبين قاعدة استثناء الوحدات من الطلاق )

اعلم أن العلماء نصوا على أنه إذا قال قام زيد وعمرو وخالد إلا خالدا لا يجوز ؛ لأنه استثناء جملة منطوق به في المعطوف والاستثناء إنما جعل لإخراج ما كان معرضا للنسيان فيندرج في الكلام سهوا فيخرج بالاستثناء ، وإذا قصد إلى شيء في المعطوف لا يصح استثناؤه بعد ذلك ؛ لأنه مثل الكلام المستقل المقصود وعلى سياق هذه القاعدة يمتنع أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة ؛ لأنه استثناء جملة منطوق به وهو المعطوف كما تقدم غير أن الأصحاب جوزوه وما علمت فيه خلافا ويعللونه بأن الثلاث لها عبارتان أنت طالق ثلاثا وأنت طالق واحدة وواحدة وواحدة فكما صح الاستثناء من الثلاث يصح من هذه العبارة الأخرى والفرض أيضا أن خصوص الوحدات ليس مقصودا للعقلاء بخلاف زيد وعمرو فلكل واحد منهما خصوص ليس للآخر .

وأما الوحدات فمستوية من حيث هي وحدات فصار إجمالها وتفصيلها [ ص: 169 ] سواء ويلزم على سياق هذا التعليل إذا قال لله علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما لا يلزمه إلا درهمان ؛ لأن الدراهم والدنانير عندهم لا تتعين وإن عينت فإن خصوص درهم لا مزية له على خصوص درهم آخر ولم أر لهم في هذا نقلا فإن طردوا أصلهم فهو أقرب من حيث الجملة .

وإن كان العطف ظاهرا في منع الاستثناء مطلقا وحكى ابن أبي زيد في النوادر المنع ولم يحك خلافا .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الرابع والستون والمائة بين قاعدة استثناء الكل من الكل وبين قاعدة استثناء الوحدات من الطلاق )

قاعدة أن الاستثناء إنما جعل لإخراج ما كان معرضا للنسيان فيندرج في الكلام سهوا فيخرج بالاستثناء تقتضي أن العطف في المستثنى منه ظاهر في منع الاستثناء مطلقا سواء كان خصوص المعطوف مقصودا للعقلاء نحو قام زيد وعمرو وخالد إلا خالدا أو غير مقصود للعقلاء نحو أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة ونحو لله علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ضرورة اشتراكهما في مطلق القصد إلى شيء في المعطوف ، وإذا قصد إلى شيء في المعطوف لا يصح استثناؤه بعد ذلك ؛ لأنه مثل الكلام المستقل المقصود غير أن الأصحاب جوزوا أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة قال الأصل وما علمت فيه خلافا وعللوه بأن الثلاث لها عبارتان أنت طالق ثلاثا وأنت طالق واحدة وواحدة وواحدة فكما صح الاستثناء من الثلاث يصح من هذه العبارة الأخرى والفرض أيضا أن خصوص الوحدات ليس مقصودا للعقلاء بخلاف زيد وعمرو فإن لكل واحد منهما خصوصا ليس للآخر ، والوحدات مستوية من حيث هي وحدات فصار إجمالها وتفصيلها سواء لكن كان مقتضى قاعدة أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما أن يقولوا بجواز : له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما وأنه إذا قال ذلك لا يلزمه إلا درهمان ؛ لأن الدراهم والدنانير عندهم لا تتعين وإن عينت فإن خصوص درهم لا مزية له على خصوص درهم آخر قال الأصل ولم أر لهم في هذا أي القول بجواز ذلك نقلا ، بل حكى ابن أبي زيد في النوادر المنع ولم يحك خلافا . ا هـ .

فمن هنا قال الإمام ابن الشاط هذا الفرق يحتاج إلى تأمل ونظر ا هـ وفي حاشية العطار على محلى جمع الجوامع قال القرافي ، قلت يوما للشيخ عز الدين بن عبد السلام إن الفقهاء التزموا في الأصول قاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي وخالفوها في الفروع حيث قالوا لو قال والله لا لبست ثوبا إلا الكتان فقعد عريانا لم يلزمه شيء مع أن مقتضى قاعدة الاستثناء أنه حلف على نفي ما عدا الكتان وعلى لبس الكتان وما لبس الكتان فيحنث فقال رحمه الله تعالى سبب المخالفة أن الأيمان تتبع المنقولات العرفية دون الأوضاع اللغوية إذا تعارضا ، وقد انتقل إلا في الحلف لمعنى الصفة مثل سوى وغير فمعنى حلفه والله لا لبست ثوبا سوى الكتان أو غير الكتان فالمحلوف عليه هو المغاير للكتان والكتان ليس محلوفا عليه فلا يضر لبسه ولا تركه ، ثم توفي رحمه الله واتفق البحث مع قاضي القضاة تاج الدين فالتزم أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يحنث إذا قعد عريانا وأن إلا على بابها والاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات [ ص: 206 ] وأرانا نقلا في ذلك ا هـ كلام القرافي .

قال سم ما قاله تاج الدين من جهة الحكم ممنوع مع أنا نبقي إلا على بابها ونلتزم أن الاستثناء بها في المثال المذكور إثبات على القاعدة ولا ينافي ذلك منع ما ذكره وذلك ؛ لأن الإثبات بحسب المقصود من النفي والمقصود هنا من النفي هو منع نفسه من لبس الثياب ، فيكون المقصود من الإثبات هو إباحة لبس الكتان لا التزام لبسه فلا يحنث بالترك فتأمله فإنه حسن دقيق تركه الشيخ لنا ، ثم رأيت في بعض حواشي التلويح ما يوافق هذا الجواب فلله الحمد ا هـ قال العطار وفي التمهيد للإسنوي إذا قال والله لا أعطيك إلا درهما أو لا آكل إلا هذا الرغيف أو لا أطأ في السنة إلا مرة ونحو ذلك فلم يفعل بالكلية ففي حنثه وجهان حكاهما الرافعي في كتاب الإيلاء من غير ترجيح ، أحدهما نعم لاقتضاء اللفظ ذلك وهو كون الاستثناء من النفي إثباتا ؛ والثاني لا لأن المقصود منع الزيادة وقياس مذهبنا هو الأول لكن صحح النووي من زوائده الثاني ا هـ .

وقد سنح لي من قول الشيخ عز الدين سبب المخالفة إلخ أنه لا مانع هنا من أن يقال سبب مخالفة قاعدة الاستثناء المذكورة هنا في الحلف دون الالتزام أن الأيمان لما كانت تتبع المنقولات العرفية دون الأوضاع اللغوية إذا تعارضا ، وقد نقل العرف المعطوفان في أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلى معنى أنت طالق ثلاثا خالفوا فيها القاعدة المذكورة فأعطوها حكمه من جواز الاستثناء وأنه إذا قال بعدها إلا واحدة يلزمه طلقتان كما لو قال ذلك بعد أنت طالق ثلاثا والالتزامات لما كانت تتبع الأوضاع اللغوية لم يخالفوا فيها القاعدة المذكورة فلم يعطوا لله علي درهم ودرهم ودرهم حكم لله علي دراهم من جواز الاستثناء وأنه إذا قال بعده إلا درهما يلزمه درهمان فتأمل بإنصاف ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية