الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما قام أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الكبير وفيهم الضعيف وفيهم السقيم وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء وفي رواية لمسلم والصغير وفي رواية له وذا الحاجة

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الرابع) وعن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء .

                                                            وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما قام أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الكبير وفيهم الضعيف وفيهم السقيم وإذا قام وحده فليطول صلاته ما شاء .

                                                            (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) فيه أمر الأئمة بتخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين وقال الترمذي في جامعه وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض انتهى .

                                                            وهو يقتضي خلافا في ذلك بين أهل العلم ولا أعلم فيه خلافا قال ابن عبد البر : التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه .

                                                            وقال أيضا لا أعلم بين أهل العلم خلافا في استحباب التخفيف لكل من أم قوما على ما شرطنا من الائتمام بأقل ما يجزئ وساق الكلام على ذلك وكأن الترمذي توهم الخلاف في ذلك من قول ابن أبي شيبة في مصنفه في التبويب [ ص: 347 ] التخفيف في الصلاة " من " كان يخففها " وليس ذلك صريحا في وجود خلاف ولم يبوب ابن أبي شيبة على التطويل المقابل للتخفيف ولو كان ثم قائل به لبوب عليه وذكره .

                                                            وقد روى ابن أبي شيبة في الباب المذكور عن ثابت البناني قال صليت مع أنس العتمة فتجوز ما شاء الله وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال كان أبي إذا صلى في المسجد خفف الركوع والسجود وتجوز وإذا صلى في بيته أطال الركوع والسجود والصلاة فقلت له فقال إنا أئمة يقتدى بنا وعن أبي رجاء وهو العطاردي قال رأيت الزبير بن العوام صلى صلاة خفيفة فقلت أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة فقال إنا نبادر هذا الوسواس .

                                                            وعن عمار بن ياسر أنه قال احذفوا هذه الصلاة قبل وسوسة الشيطان .

                                                            وعن حذيفة أنه علم رجلا فقال إن الرجل ليخفف الصلاة ويتم الركوع والسجود وعن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه قال رأيت أبا هريرة صلى صلاة تجوز فيها فقلت له هكذا كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم وأجوز .

                                                            وعن عمرو بن ميمون لما طعن عمر وماج الناس تقدم عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن إنا أعطيناك الكوثر و إذا جاء نصر الله والفتح وعن إبراهيم النخعي أنه كان يخفف الصلاة ويتم الركوع والسجود وعن أبي مجلز قال كانوا يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة .

                                                            وعن عمرو بن ميمون قال ما رأيت الصلاة في موضع أخف منها فيما بين هاتين الحائطين يعني مسجد الكوفة الأعظم .

                                                            وعن النعمان بن قيس قال كن النساء إذا مررن على عبيدة وهو يصلي قلن خففوا فإنها صلاة عبيدة يعني من خفتها رواها كلها ابن أبي شيبة وحكى ابن حزم في المحلى عن عمرو بن ميمون أنه قال لو أن رجلا أخذ شاة عزوزا لم يفرغ من لبنها حتى صلى الصلوات الخمس أتم ركوعها وسجودها والعزوز بالعين المهملة والزاي المعجمة المكررة الضيقة الإحليل وعن علقمة لو أمر بذبح شاة فأخذ في سلخها لصليت الصلوات الخمس في تمام قبل أن يفرغ منها ويحتمل أن ابن أبي شيبة إنما بوب تخفيف الصلاة مع الانفراد أو مع إمامة المحصورين فذكر فيه من كان يؤثر تخفيفها ولو مع هذه الحالة فنقله الترمذي إلى أئمة العامة [ ص: 348 ] وأولئك لا خلاف فيهم كما تقدم .

                                                            (الثانية) هذا الأمر بالتخفيف صرح أصحابنا وغيرهم بأنه على سبيل الاستحباب وذهب جماعة إلى الوجوب تمسكا بظاهر الأمر قال ابن حزم الظاهري : يجب على الإمام التخفيف إذا أم جماعة لا يدري كيف طاقتهم وقال ابن عبد البر المالكي في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزم التخفيف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك ولا يجوز لهم التطويل لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيا عن التطويل وكذا قال ابن بطال في شرح البخاري فيه دليل أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بذلك انتهى .

                                                            (الثالثة) ما المراد بصلاته للناس أأن يكون إماما منصوبا للإمامة من جهة الإمام الأعظم أو من جهة ناظر المسجد الذي يصلي به بحيث لا يتمكن غيره من الإمامة في ذلك المحل أو أعم من ذلك ومن كون أهل المحلة نصبوه للإمامة بهم بحيث لو شاءوا لغيروه وأقاموا غيره في ذلك أو أعم من ذلك ومن أن يتقدم للإمامة بغير تقديم أحد أو كونه صار إماما ولو لم يقصد التقديم لذلك من الأول بل تقدم ليصلي منفردا فتابعه غيره فنوى الإمامة به أو ولو لم ينو الإمامة به بل نوى المأموم الائتمام فقط لأنه يصير بذلك عند الشافعي وجماعة إماما ولو لم ينو هو الإمامة غايته أنه لا يحصل له فضيلة الجماعة إذا لم ينو الإمامة هذه احتمالات خمسة وأرجحها عندي الرابع فمتى صار إماما بنيته للإمامة على أي وجه تقدم يستحب له التخفيف وأما إذا لم ينو هو الإمامة فالظاهر أنه لا يستحب له التخفيف باقتداء غيره به والله أعلم .



                                                            (الرابعة) قال أصحابنا وغيرهم المراد بتخفيف الصلاة أن يكون بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها وفي الصحيحين عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات وبوب النسائي على حديث ابن عمر الرخصة في التطويل بعد ذكره أحاديث التخفيف ويحتمل أن هذا ليس تطويلا وإنما هو بيان للتخفيف المأمور به وقال ابن حزم الظاهري لما ذكر قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عثمان بن أبي العاصي واقتد بأضعفهم هذا حد التخفيف وهو أن ينظر ما يحتمل أضعف من " خلفه وأمسهم حاجة من الوقوف والركوع والسجود فليصل [ ص: 349 ] على حسب ذلك انتهى .

                                                            وهو عندي حسن لكن ضبط أصحابنا ما يحصل به التخفيف من تسبيحات الركوع والسجود وغيرهما بما قدمنا فيما ذكره ابن حزم .

                                                            فقالوا إنه يقتصر في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات وقيل خمس ولا يضم إليه اللهم لك ركعت إلى آخره في الركوع ولا اللهم لك سجدت إلى آخره في السجود إلا إن انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل وأنه يقتصر في الاعتدال على قوله ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ولا يضم إليه أهل الثناء والمجد إلى آخره إلا إن انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل نقل النووي في شرح المهذب عن الأصحاب أنه لا يستحب له الزيادة على قوله ربنا لك الحمد وقالوا يستحب أن يكون ما يأتي به الإمام بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء أنقص منهما .

                                                            وأما القراءة فإن أكثر الأصحاب أطلقوا أنه يستحب للمصلي أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساطه وفي المغرب بقصاره واقتضى كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين الإمام وغيره وعليه يدل قول صاحب التنبيه ويستحب للإمام أن يخفف الأذكار فلم يذكر تخفيف القراءة وشرحه ابن الرفعة في الكفاية على ذلك فقال إن التخفيف في القراءة غير مستحب وإنما المستحب فيها ما تقرر في بابه ونقله في موضع آخر عن إمام الحرمين لكن الشيخ في المهذب قال ويستحب للإمام أن يخفف الأذكار والقراءة ومشى على ذلك النووي في شرح المهذب فقال هذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه إنما هو إذا آثر المأمومون المحصورون ذلك وإلا خفف .

                                                            وجزم به أيضا في التحقيق في شرح مسلم ثم يستثنى المسافر في الصبح فالمستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص قاله الغزالي في الخلاصة والإحياء وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء طويلا بالنسبة إلى عادة قوم وقد يكون خفيفا بالنسبة إلى عادة آخرين .

                                                            وقد قال بعض الفقهاء إنه لا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود والمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك مع أمره بالتخفيف وكأن ذلك لأن عادة الصحابة لأجل شدة رغبتهم في الخير [ ص: 350 ] تقتضي أن لا يكون ذلك طويلا هذا إذا كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عاما في صلاته أو أكثرها وإن كان خاصا ببعضها فيحتمل أن يكون لأن أولئك المأمومين يؤثرون التطويل وهو متردد بين أن لا يكون طويلا بسبب ما يقتضيه حال الصحابة وبين أن يكون طويلا لكن سببه إيثار المؤمنين له وظاهر الحديث المروي لا يقتضي الخصوص ببعض صلاته صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                            (الخامسة) قوله إذا صلى أحدكم للناس لم يذكر الصلاة فتناول الفرائض والنوافل التي يشرع لها الجماعة كالعيد والتراويح ونحوهما لأن حذف المعمول يدل على العموم بدليل صحة الاستثناء فإنه معيار العموم نعم يستثنى من ذلك صلاة الكسوف لمشروعية تطويل القراءة فيها فلا يسن النقص عن المشروع في ذلك وكأنه لندورها والاهتمام بشأنها للأمر العارض .

                                                            (السادسة) هذا الحكم وهو الأمر بالتخفيف مذكور مع علته وهو كون المأمومين فيهم السقيم والضعيف والكبير فإن انتفت هذه العلة فلم يكن في المأمومين أحد من هؤلاء وكانوا محصورين ورضوا بالتطويل طول لانتفاء العلة وبذلك صرح أصحابنا وغيرهم وقال ابن عبد البر قد بان في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة لأنه وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم ولذلك قال فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره وقد يحدث لظاهر القوة ومن يعرف منه الحرص على طول الصلاة حادث من شغل وعارض من حاجة وآفة من حدث وبول أو غيره انتهى .

                                                            وتبعه على ذلك ابن بطال فذكر مثل هذا الكلام وهو ضعيف فإن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل لا يترتب عليه حكم فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل لا نأمر إمامهم بالتخفيف لاحتمال عارض لا دليل عليه وحديث أبي قتادة يرد على ما ذكراه فإنه عليه الصلاة والسلام قال إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه .

                                                            فإرادته عليه الصلاة والسلام أولا التطويل يدل على جواز مثل ذلك وما تركه إلا لدليل قام على تضرر بعض المأمومين به وهو بكاء الصبي الذي يشغل خاطر [ ص: 351 ] أمه والله أعلم .

                                                            (السابعة) إن قلت ما فائدة عطف الضعيف على السقيم وهو بمعناه قلت ليس بمعناه فقد ذكر الجوهري وغيره أن الضعف خلاف للقوة وأن السقم المرض فدل على أن الضعف أعم من السقم فقد يكون الإنسان قليل القوة من أصل الخلقة لا من سقم عرض له .



                                                            (الثامنة) قوله وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء هل هو أمر استحباب كالمذكور قبله أو أمر إباحة وترخيص يترجح الأول لكونه أمرا في عبادة ويترجح الثاني لتعليقه بمشيئة المصلي ولو كان للاستحباب لم يعلق لمشيئته ولا يحتمل هنا أن يكون للوجوب كما قيل به في الأمر الذي قبله (التاسعة) قال ابن حزم حد التطويل ما لم يخرج وقت الصلاة التي تلي التي هو فيها ثم استدل على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس وقال عليه الصلاة والسلام وقت الصبح ما لم تطلع الشمس ووقت العصر ما لم تغرب الشمس ووقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل .

                                                            قال فصح يقينا أن من دخل في صلاة في آخر وقتها فإنما يصلي باقيها في وقت الأخرى أو في وقت ليس له تأخير ابتداء الصلاة إليه أصلا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن التفريط أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى .

                                                            فصح أن له إذا دخل في الصلاة في وقتها أن يطول ما شاء إلا تطويلا منع النص منه وليس له أن يطيل حتى تفوته الصلاة التالية لها فقط انتهى كلامه وهو ضعيف والذي ينبغي أن يقال في حد التطويل المباح أنه ما لم يخرج وقت الصلاة التي هو فيها ولو جوزنا له أن يخرج جزءا منها عن وقتها لم يكن لتوقيتها فائدة وقد قال عليه الصلاة والسلام الوقت ما بين هذين .

                                                            وأما استدلاله على ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس فقد تقرر تأويله عند أكثر العلماء على معنى أنه فرغ من صلاة الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي ابتدأ فيه صلاة العصر في اليوم الأول فقوله صلى الظهر أي ابتدأها وقوله صلى العصر أي فرغ منها .

                                                            وفعله يصلح للابتداء والشروع فحملت في كل موضع على اللائق بها والاشتراك بين الصلاتين في وقت وعلى تقدير أن لا نؤوله ويجعل بين الصلاتين اشتراكا في الوقت كما يقوله المالكية فالاشتراك إنما هو في مقدار أربع ركعات خاصة وهكذا يقول [ ص: 352 ] المالكية وهل ذلك من وقت العصر أو الظهر ؟

                                                            خلاف عندهم وأما القول بالاشتراك في جميع الوقت فلا قائل به ولا دليل يعضده ولا يصح القياس في ذلك عند من يقول القياس فكيف بمن ينكره ؟ والعجب من استدلاله على مطلوبه بقوله عليه الصلاة والسلام إن التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى .

                                                            وهذا عليه لا له فإنه دال على أن غاية التأخير المباح دخول وقت الأخرى لا فراغه ولا تضييقه وما ذكره ابن حزم مبني على أن هذه الأوقات للشروع في الصلاة لا للفراغ منها وهو مردود بل هذه المواقيت لجملة الصلاة أولها ووسطها وآخرها وقد ذكر أصحابنا الشافعية أنه يحرم تأخير الصلاة إلى حد يخرج بعضها عن الوقت وهو موافق لما ذكرته لكنهم قالوا إنه لو شرع في الصلاة وقد بقي من الوقت ما يسع جميعها فمد هذا بتطويل القراءة لم يأثم بذلك إلا في وجه حكاه القاضي حسين في تعليقه وقال إن هذا الخلاف ينبني على أن هذه الأوقات وقت للدخول والخروج أو للدخول فقط وهل يكره ذلك ؟

                                                            فيه وجهان أصحهما عندهم لا يكره لكن قال النووي في شرح المهذب : أنه خلاف الأولى وعندي أن تجويزهم تطويل القراءة حتى يخرج الوقت مخالف لقوله إن التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى وبقوله الوقت ما بين هذين وقد تبين كلام القاضي حسين أنه مبني على أن هذه الأوقات وقت للدخول فقط

                                                            والصحيح أنها وقت للدخول والخروج ثم إن هذا الكلام بتقدير صحته مقيد بما إذا أوقع ركعة في الوقت كما ذكر شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي رحمه الله أنه المتجه مع تجويزه أن يكون كلامهم على إطلاقه .



                                                            (العاشرة) وينبغي أن يتقيد التطويل أيضا بما إذا لم يخرج إلى سهو فالتطويل المؤدي إلى سهو مكروه وقد نص على ذلك الشافعي رحمه الله في الدعاء الذي في آخر الصلاة ويقاس عليه غيره من أفعال الصلاة قال الشافعي في الأم أحب لكل مصل أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله عز وجل وتحميده ودعاءه في الركعتين الأخيرتين وأرى أن تكون زيادته ذلك إن كان إماما أقل من قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه قليلا للتخفيف عن خلفه وأرى أن يكون جلوسه إن كان وحده أكثر من ذلك [ ص: 353 ] ولا أكره ما أطال ما لم يخرجه ذلك إلى سهو ويخاف به سهوا انتهى .

                                                            وهذا التقييد إنما يحتاج إليه إذا قلنا إن الأمر بالتطويل للمنفرد على سبيل الاستحباب أو قلنا إنه على سبيل الإباحة وفسرنا الإباحة بالمستوية الطرفين فإن فسرناها بمعنى رفع الحرج والإثم فلا يحتاج إلى هذا القيد إذ لا إثم في ذلك في هذه الصورة وإنما غايته الكراهة ويوافق هذا ما تقدم عن غير واحد من الصحابة من تعليل تخفيف الصلاة بمبادرة الوسواس وعلى هذا فيختلف القصر والتطويل باختلاف عادة الناس في مبادرة الوسوسة إليهم وتأخره عنهم فمن كان سريع الوسواس لا يطول ومن كان بطيء الوسواس طول والله أعلم .

                                                            (الحادية عشرة) هذا التطويل إنما هو في الأركان التي تحتمل التطويل وهي القيام والركوع والسجود والتشهد دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين (الثانية عشرة) قال النووي فيه دليل على الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع ومراعاة مصلحتهم وأن لا يدخل عليهم ما شق عليهم وإن كان يسيرا من غير ضرورة .




                                                            الخدمات العلمية