الله أحل الطيبات
[ ص: 2644 ] nindex.php?page=treesubj&link=16975_24406_33090_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=120وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
نهى الله تعالى عن اتباع المشركين خاصة، والجماعات من غير نظر عامة، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى الضلال الذي كانوا يتبعونه فكانوا يأكلون ما ذبح باسم أصنامهم، وما ذبح على نصبها، وكانوا يحرمون على أنفسهم بعض الأنعام، ويزعمون أن تحريم ذلك من الله، لذلك أباح الله تعالى للمؤمنين أن يأكلوا مما ذكر عليه اسم الله، وألا يأكلوا مما لم يذكر عليه اسم الله، وألا يحرموا على أنفسهم إلا ما حرم الله، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين (الفاء) هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، إن كنتم قد نهيتم عن اتباع المشركين في تحريمهم وتحليلهم، وتحريمهم بعض ما أحل الله- فكلوا مما ذكر اسم الله تعالى عليه.
وقد دلت هذه الجملة السامية على أمرين:
أولهما: إباحة
nindex.php?page=treesubj&link=16975_16989ما ذكر اسم الله عليه تعالى عند ذبحه، فإن الذبح بإنهار الدم يكون تطهيرا له من الخبث الحسي، وذكر الله تعالى يكون تطهيرا معنويا من خبث الوثنية.
ثانيهما: أن كل الأنعام مباح أكله بعد تذكيته مع ذكر اسم الله تعالى عليه، فلا يحرم المؤمن شيئا مما حرمه المشركون، وإنه رد على بعض المشركين الذين
[ ص: 2645 ] استباحوا الميتة، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في سننه أن بعض المشركين قالوا: كيف نحل ذبيحة الإنسان، ولا نحل ذبيحة الله; يقصدون أن الميت ذبيحة الله تعالى، وذلك غلط فاحش، وكذب على الله، فالذبح إنهار الدم وإزالة ما يكون فيها من خبائث تضر الجسم، والميتة ليس ذبحا، وفيها بقاء الدم بخبائثه في الجسم. وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118إن كنتم بآياته مؤمنين أي: إن المؤمن لا يتبع المشركين، ولا يحرم إلا ما حرم الله تعالى، ولا يحل إلا ما أحل الله، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118إن كنتم بآياته مؤمنين فيه توكيد وصفهم بالإيمان بقوله: " كنتم " الدالة على البقاء والاستمرار على وصف الإيمان، وأكد سبحانه وتعالى الإيمان بوصفهم به.
وهنا يثار بحث:
nindex.php?page=treesubj&link=20584_20585هل تناول المباح يعد من الإيمان؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إن تناول المباح له جانبان، جانب التناول، وهو مباح بالجزء، فيجوز للإنسان أن يأكل نوعا، وألا يأكل آخر، فيجوز أن يأكل اللحم، وأن يأكل الطير، أو يأكل السمك، فكلها حلال طيب، ولكن لا يجوز أن يمتنع عنها جملة، فهي مباح بالجزء مطلوبة بالكل، فلا يجوز أن يمتنع عن كل المباحات، والجانب الثاني أن يحسب أن الامتناع عن بعض المباحات تعبد؛ كأن يمتنع عن اللحم من غير ضرورة جسمية كبعض الذين يسمون أنفسهم نباتيين؛ فإن هذا يكون ممنوعا لغير ضرورة أو حاجة، فإنه يدخل في النهي في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم
اللَّهُ أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ
[ ص: 2644 ] nindex.php?page=treesubj&link=16975_24406_33090_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=120وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=121وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ اتِّبَاعِ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، وَالْجَمَاعَاتِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ عَامَّةً، وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى الضَّلَالِ الَّذِي كَانُوا يَتَّبِعُونَهُ فَكَانُوا يَأْكُلُونَ مَا ذُبِحَ بِاسْمِ أَصْنَامِهِمْ، وَمَا ذُبِحَ عَلَى نُصُبِهَا، وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَعْضَ الْأَنْعَامِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ، لِذَلِكَ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، وَأَلَّا يَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، وَأَلَّا يُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (الْفَاءُ) هُنَا لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ نُهِيتُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَحْرِيمِهِمْ وَتَحْلِيلِهِمْ، وَتَحْرِيمِهِمْ بَعْضَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ السَّامِيَةُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: إِبَاحَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=16975_16989مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ تَعَالَى عِنْدَ ذَبْحِهِ، فَإِنَّ الذَّبْحَ بِإِنْهَارِ الدَّمِ يَكُونُ تَطْهِيرًا لَهُ مِنَ الْخُبْثِ الْحِسِّيِّ، وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ تَطْهِيرًا مَعْنَوِيًّا مِنْ خُبْثِ الْوَثَنِيَّةِ.
ثَانِيهِمَا: أَنَّ كُلَّ الْأَنْعَامِ مُبَاحٌ أَكْلُهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ مَعَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَلَا يُحَرِّمُ الْمُؤْمِنُ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّهُ رَدَّ عَلَى بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ
[ ص: 2645 ] اسْتَبَاحُوا الْمَيْتَةَ، فَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: كَيْفَ نُحِلُّ ذَبِيحَةَ الْإِنْسَانِ، وَلَا نُحِلُّ ذَبِيحَةَ اللَّهِ; يَقْصِدُونَ أَنَّ الْمَيِّتَ ذَبِيحَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ غَلَطٌ فَاحِشٌ، وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، فَالذَّبْحُ إِنْهَارُ الدَّمِ وَإِزَالَةُ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ خَبَائِثَ تَضُرُّ الْجِسْمَ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَ ذَبْحًا، وَفِيهَا بَقَاءُ الدَّمِ بِخَبَائِثِهِ فِي الْجِسْمِ. وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ أَيْ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَتَّبِعُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُحَرِّمُ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُحِلُّ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=118إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ فِيهِ تَوْكِيدُ وَصْفِهِمْ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: " كُنْتُمْ " الدَّالَّةِ عَلَى الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى وَصْفِ الْإِيمَانِ، وَأَكَّدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِيمَانَ بِوَصْفِهِمْ بِهِ.
وَهُنَا يُثَارُ بَحْثٌ:
nindex.php?page=treesubj&link=20584_20585هَلْ تَنَاوُلُ الْمُبَاحِ يُعَدُّ مِنَ الْإِيمَانِ؟ وَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ تَنَاوُلَ الْمُبَاحِ لَهُ جَانِبَانِ، جَانِبُ التَّنَاوُلِ، وَهُوَ مُبَاحٌ بِالْجُزْءِ، فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ نَوْعًا، وَأَلَّا يَأْكُلَ آخَرَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ، وَأَنْ يَأْكُلَ الطَّيْرَ، أَوْ يَأْكُلَ السَّمَكَ، فَكُلُّهَا حَلَالٌ طَيِّبٌ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهَا جُمْلَةً، فَهِيَ مُبَاحٌ بِالْجُزْءِ مَطْلُوبَةٌ بِالْكُلِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ كُلِّ الْمُبَاحَاتِ، وَالْجَانِبُ الثَّانِي أَنْ يَحْسَبَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ تَعَبُّدٌ؛ كَأَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ اللَّحْمِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ جِسْمِيَّةٍ كَبَعْضِ الَّذِينَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ نَبَاتِيِّينَ؛ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مَمْنُوعًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ