nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوءة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين .
[ ص: 352 ] استئناف ابتدائي للتنويه بهم ، فهي فذلكة ثانية ، لأن الفذلكة الأولى راجعة إلى ما في الجمل السابقة من الهدى وهذه راجعة إلى ما فيها من المهديين .
واسم الإشارة لزيادة الاعتناء بتمييزهم وإخطار سيرتهم في الأذهان . والمشار إليهم هم المعينون بأسمائهم والمذكورون إجمالا في قوله ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم .
و "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89الذين آتيناهم الكتاب " خبر عن اسم الإشارة .
والمراد بالكتاب الجنس : أي الكتب . وإيتاء الكتاب يكون بإنزال ما يكتب ، كما أنزل على الرسل وبعض الأنبياء ، وما أنزل عليهم يعتبر كتابا ، لأن شأنه أن يكتب سواء كتب أم لم يكتب . وقد نص القرآن على أن
إبراهيم كانت له صحف بقوله صحف إبراهيم وموسى وكان
لعيسى كلامه الذي كتب في الإنجيل .
ولداود الكلام الصادر منه تبليغا عن الله تعالى ، وكان نبيئا ولم يكن رسولا ،
ولسليمان الأمثال ، والجامعة ، والنشيد المنسوب في ثلاثتها أحكام أمر الله بها . ويقال : إن
إدريس كتب الحكمة في صحف ، وهو الذي يسميه الإسرائيليون ( أخنوخ ) ويدعوه القبط (
توتا ) ويدعوه الحكماء (
هرمس ) . ويكون إيتاء الكتاب بإيتاء النبيء فهم وتبيين الكتب المنزلة قبله ، كما أوتي أنبياء
بني إسرائيل من بعد
موسى أمثال
يحيى فقد قال تعالى له يا يحيى خذ الكتاب بقوة .
والحكم هو الحكمة ، أي العلم بطرق الخير ودفع الشر . قال تعالى في شأن
يحيى nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وآتيناه الحكم صبيا ، ولم يكن
يحيى حاكما أي قاضيا ، وقد يفسر الحكم بالقضاء بالحق . كما في قوله تعالى في شأن
داود وسليمان وكلا آتينا حكما وعلما .
وإيتاء هذه الثلاث على التوزيع ، فمنهم من أوتي جميعها وهم الرسل منهم والأنبياء الذين حكموا بين الناس مثل
داود وسليمان ، ومنهم من أوتي بعضها وهم الأنبياء غير الرسل ، والصالحون منهم غير الأنبياء ، وهذا باعتبار شمول اسم الإشارة لآبائهم وذرياتهم وإخوانهم .
[ ص: 353 ] والفاء في قوله " فإن يكفر " عاطفة جملة الشرط على جملة أولئك الذين آتيناهم الكتاب عقبت بجملة الشرط وفرعت عليها لأن الغرض من الجمل السابقة من قوله وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر هو
nindex.php?page=treesubj&link=28675تشويه أمر الشرك بالاستدلال على فساده بنبذ أهل الفضل والخير إياهن فكان للفاء العاطفة عقب ذلك موقع بديع من أحكام نظم الكلام .
وضمير " بها " عائد إلى المذكورات : الكتاب والحكم والنبوءة .
والإشارة في قوله هؤلاء إلى المشركين من
أهل مكة ، وهي إشارة إلى حاضر في أذهان السامعين ، كما ورد في حديث سؤال القبر فيقال له ما علمك بهذا الرجل يعني النبيء صلى الله عليه وسلم . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس : ذهبت لأنصر هذا الرجل يعني
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب .
وقد تقصيت مواقع آي القرآن فوجدته يعبر عن مشركي
قريش كثيرا بكلمة هؤلاء ، كقوله بل متعت هؤلاء وآباءهم ولم أر من نبه عليه من قبل .
وكفر المشركين بنبوءة أولئك الأنبياء تابع لكفرهم
بمحمد صلى الله عليه وسلم ولذلك حكى الله عنهم بعد أنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء .
ومعنى " وكلنا بها " وفقنا للإيمان بها ومراعاتها والقيام بحقها . فالتوكيل هنا استعارة ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=14695حقيقة التوكيل إسناد صاحب الشيء تدبير شيئه إلى من يتولى تدبيره ويكفيه كلفة حفظه ورعاية ما به بقاؤه وصلاحه ونماؤه . يقال : وكلته على الشيء ووكلته بالشيء فيتعدى بعلى وبالباء . وقد استعير في هذه الآية للتوفيق إلى الإيمان بالنبوءة والكتاب والحكم والنظر في ما تدعو إليه ورعايته تشبيها لتلك الرعاية برعاية الوكيل ، وتشبيها للتوفيق إليها بإسناد النظر إلى الوكيل ، لأن الوكالة تقتضي وجود الشيء الموكل بيد الوكيل مع حفظه ورعايته ، فكانت استعارة " وكلنا " لهذا المعنى إيجازا
[ ص: 354 ] بديعا يقابل ما يتضمنه معنى الكفر بها من إنكارها الذي فيه إضاعة حدودها .
والقوم هم المؤمنون الذين آمنوا برسالة
محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن ، وبمن قبله من الرسل وما جاءهم من الكتب والحكم والنبوءة . والمقصود الأول منهم المؤمنون الذين كانوا
بمكة ومن آمن من
الأنصار بالمدينة إذ كانت هذه السورة قد نزلت قبيل الهجرة . وقد فسر في الكشاف " القوم " بالأنبياء المتقدم ذكرهم وادعى أن نظم الآية حمله عليه ، وهو تكلف لا حامل إليه .
ووصف القوم بأنهم ليسوا بها بكافرين للدلالة على أنهم سارعوا إلى الإيمان بها بمجرد دعوتهم إلى ذلك فلذلك جيء في وصفهم بالجملة الاسمية المؤلفة من اسم ( ليس ) وخبرها لأن ليس بمنزلة حرف نفي ؛ إذ هي فعل غير متصرف ، فجملتها تدل على دوام نفي الكفر عنهم ، وأدخلت الباء في خبر ( ليس ) لتأكيد ذلك النفي فصار دوام نفي مؤكدا .
والمعنى إن يكفر المشركون بنبوءتك ونبوءة من قبلك فلا يضرك كفرهم لأنا قد وفقنا قوما مؤمنين للإيمان بك وبهم ، فهذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم على إعراض بعض قومه عن دعوته .
وتقديم المجرور على عامله في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89ليسوا بها بكافرين " لرعاية الفاصلة مع الاهتمام بمعاد الضمير : الكتاب والحكم والنبوءة .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89nindex.php?page=treesubj&link=28977أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوءَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ .
[ ص: 352 ] اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلتَّنْوِيهِ بِهِمْ ، فَهِيَ فَذْلَكَةٌ ثَانِيَةٌ ، لِأَنَّ الْفَذْلَكَةَ الْأُولَى رَاجِعَةٌ إِلَى مَا فِي الْجُمَلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْهُدَى وَهَذِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمَهْدِيِّينَ .
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِزِيَادَةِ الِاعْتِنَاءِ بِتَمْيِيزِهِمْ وَإِخْطَارِ سِيرَتِهِمْ فِي الْأَذْهَانِ . وَالْمُشَارُ إِلَيْهِمْ هُمُ الْمُعَيَّنُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَالْمَذْكُورُونَ إِجْمَالًا فِي قَوْلِهِ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ .
وَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ " خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ .
وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْجِنْسُ : أَيِ الْكُتُبُ . وَإِيتَاءُ الْكِتَابِ يَكُونُ بِإِنْزَالِ مَا يُكْتَبُ ، كَمَا أَنْزَلَ عَلَى الرُّسُلِ وَبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ يُعْتَبَرُ كِتَابًا ، لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُكْتَبَ سَوَاءٌ كُتِبَ أَمْ لَمْ يُكْتَبْ . وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ لَهُ صُحُفٌ بِقَوْلِهِ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَكَانَ
لِعِيسَى كَلَامُهُ الَّذِي كُتِبَ فِي الْإِنْجِيلِ .
وَلِدَاوُدَ الْكَلَامُ الصَّادِرُ مِنْهُ تَبْلِيغًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَانَ نَبِيئًا وَلَمْ يَكُنْ رَسُولًا ،
وَلِسُلَيْمَانَ الْأَمْثَالُ ، وَالْجَامِعَةُ ، وَالنَّشِيدُ الْمَنْسُوبُ فِي ثَلَاثَتِهَا أَحْكَامٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا . وَيُقَالُ : إِنَّ
إِدْرِيسَ كَتَبَ الْحِكْمَةَ فِي صُحُفٍ ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ ( أَخْنُوخَ ) وَيَدْعُوهُ الْقِبْطُ (
تُوتًا ) وَيَدْعُوهُ الْحُكَمَاءُ (
هُرْمُسَ ) . وَيَكُونُ إِيتَاءُ الْكِتَابِ بِإِيتَاءِ النَّبِيءِ فَهْمَ وَتَبْيِينَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَهُ ، كَمَا أُوتِيَ أَنْبِيَاءُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى أَمْثَالَ
يَحْيَى فَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَهُ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ .
وَالْحُكْمُ هُوَ الْحِكْمَةُ ، أَيِ الْعِلْمُ بِطُرُقِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ . قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ
يَحْيَى nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ، وَلَمْ يَكُنْ
يَحْيَى حَاكِمًا أَيْ قَاضِيًا ، وَقَدْ يُفَسَّرُ الْحُكْمُ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ . كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا .
وَإِيتَاءُ هَذِهِ الثَّلَاثِ عَلَى التَّوْزِيعِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ جَمِيعَهَا وَهُمُ الرُّسُلُ مِنْهُمْ وَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ مِثْلُ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ بَعْضَهَا وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرُ الرُّسُلِ ، وَالصَّالِحُونَ مِنْهُمْ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ شُمُولِ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِآبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ .
[ ص: 353 ] وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ يَكْفُرْ " عَاطِفَةٌ جُمْلَةَ الشَّرْطِ عَلَى جُمْلَةِ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ عُقِّبَتْ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ وَفُرِّعَتْ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28675تَشْوِيهُ أَمْرِ الشِّرْكِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى فَسَادِهِ بِنَبْذِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ إِيَّاهُنَّ فَكَانَ لِلْفَاءِ الْعَاطِفَةِ عَقِبَ ذَلِكَ مَوْقِعٌ بَدِيعٌ مِنْ أَحْكَامِ نَظْمِ الْكَلَامِ .
وَضَمِيرُ " بِهَا " عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورَاتِ : الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوءَةِ .
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ هَؤُلَاءِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ ، وَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ فِي أَذْهَانِ السَّامِعِينَ ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ الْقَبْرِ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13669الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ : ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ .
وَقَدْ تَقَصَّيْتُ مَوَاقِعَ آيِ الْقُرْآنِ فَوَجَدْتُهُ يُعَبِّرُ عَنْ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ كَثِيرًا بِكَلِمَةٍ هَؤُلَاءِ ، كَقَوْلِهِ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ .
وَكُفْرُ الْمُشْرِكِينَ بِنُبُوءَةِ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ تَابِعٌ لِكُفْرِهِمْ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدُ أَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ .
وَمَعْنَى " وَكَّلْنَا بِهَا " وَفَّقْنَا لِلْإِيمَانِ بِهَا وَمُرَاعَاتِهَا وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا . فَالتَّوْكِيلُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=14695حَقِيقَةَ التَّوْكِيلِ إِسْنَادُ صَاحِبِ الشَّيْءِ تَدْبِيرِ شَيْئِهِ إِلَى مَنْ يَتَوَلَّى تَدْبِيرَهُ وَيَكْفِيهِ كُلْفَةَ حِفْظِهِ وَرِعَايَةِ مَا بِهِ بَقَاؤُهُ وَصَلَاحُهُ وَنَمَاؤُهُ . يُقَالُ : وَكَّلْتُهُ عَلَى الشَّيْءِ وَوَكَّلْتُهُ بِالشَّيْءِ فَيَتَعَدَّى بِعَلَى وَبِالْبَاءِ . وَقَدِ اسْتُعِيرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّوْفِيقِ إِلَى الْإِيمَانِ بِالنُّبُوءَةِ وَالْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنَّظَرِ فِي مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَرِعَايَتِهِ تَشْبِيهًا لِتِلْكَ الرِّعَايَةِ بِرِعَايَةِ الْوَكِيلِ ، وَتَشْبِيهًا لِلتَّوْفِيقِ إِلَيْهَا بِإِسْنَادِ النَّظَرِ إِلَى الْوَكِيلِ ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ بِيَدِ الْوَكِيلِ مَعَ حِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ ، فَكَانَتِ اسْتِعَارَةُ " وَكَّلْنَا " لِهَذَا الْمَعْنَى إِيجَازًا
[ ص: 354 ] بَدِيعًا يُقَابِلُ مَا يَتَضَمَّنُهُ مَعْنَى الْكُفْرِ بِهَا مِنْ إِنْكَارِهَا الَّذِي فِيهِ إِضَاعَةُ حُدُودِهَا .
وَالْقَوْمُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِرِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْقُرْآنِ ، وَبِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوءَةِ . وَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ كَانُوا
بِمَكَّةَ وَمَنْ آمَنَ مِنَ
الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ قَدْ نَزَلَتْ قُبَيْلَ الْهِجْرَةِ . وَقَدْ فَسَّرَ فِي الْكَشَّافِ " الْقَوْمَ " بِالْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ وَادَّعَى أَنَّ نَظْمَ الْآيَةِ حَمَلَهُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا حَامِلَ إِلَيْهِ .
وَوَصَفَ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ سَارَعُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ فَلِذَلِكَ جِيءَ فِي وَصْفِهِمْ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنِ اسْمِ ( لَيْسَ ) وَخَبَرِهَا لِأَنَّ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ نَفْيٍ ؛ إِذْ هِيَ فَعْلٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ ، فَجُمْلَتُهَا تَدُلُّ عَلَى دَوَامِ نَفْيِ الْكُفْرِ عَنْهُمْ ، وَأُدْخِلَتِ الْبَاءُ فِي خَبَرِ ( لَيْسَ ) لِتَأْكِيدِ ذَلِكَ النَّفْيِ فَصَارَ دَوَامَ نَفْيٍ مُؤَكَّدًا .
وَالْمَعْنَى إِنْ يَكْفُرِ الْمُشْرِكُونَ بِنُبُوءَتِكَ وَنُبُوءَةِ مَنْ قَبْلِكَ فَلَا يَضُرُّكَ كُفْرُهُمْ لِأَنَّا قَدْ وَفَّقْنَا قَوْمًا مُؤْمِنِينَ لِلْإِيمَانِ بِكَ وَبِهِمْ ، فَهَذَا تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِعْرَاضِ بَعْضِ قَوْمِهِ عَنْ دَعْوَتِهِ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ " لِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ مَعَ الِاهْتِمَامِ بِمُعَادٍ الضَّمِيرِ : الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوءَةِ .