nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28977أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده .
جملة ابتدائية قصد من استئنافها استقلالها للاهتمام بمضمونها ، ولأنها وقعت موقع التكرير لمضمون الجملتين اللتين قبلها : جملة وهديناهم إلى صراط مستقيم وجملة أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوءة . وحق التكرير أن يكون مفصولا ، وليبنى عليها التفريع في قوله فبهداهم اقتده .
[ ص: 355 ] والمشار إليهم باسم الإشارة هم المشار إليهم بقوله أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوءة فإنهم الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهداهم .
وتكرير اسم الإشارة لتأكيد تمييز المشار إليه ولما يقتضيه التكرير من الاهتمام بالخبر .
وأفاد تعريف المسند والمسند إليه قصر جنس الذين هداهم الله على المذكورين تفصيلا وإجمالا ، لأن المهذبين من البشر لا يعدون أن يكونوا أولئك المسمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم فإن من آبائهم
آدم وهو الأب الجامع للبشر كلهم ، فأريد بالهدى هدى البشر ، أي الصرف عن الضلالة ، فالقصر حقيقي . ولا نظر لصلاح الملائكة ؛ لأنه صلاح جبلي .
وعدل عن ضمير المتكلم إلى اسم الجلالة الظاهر لقرن هذا الخبر بالمهابة والجلالة .
وقوله فبهداهم اقتده تفريع على كمال ذلك الهدى ، وتخلص إلى ذكر حظ
محمد صلى الله عليه وسلم من هدى الله بعد أن قدم قبله مسهبا ذكر الأنبياء وهديهم إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=29267_28753علو منزلة محمد صلى الله عليه وسلم وأنها منزلة جديرة بالتخصيص بالذكر حيث لم يذكر مع الأنبياء المتقدمين ، وأنه جمع هدى الأولين ، وأكملت له الفضائل ، وجمع له ما تفرق من الخصائص والمزايا العظيمة . وفي إفراده بالذكر وترك عده مع الأولين رمز بديع إلى فذاذته وتفرد مقداره ، ورعي بديع لحال مجيء رسالته بعد مرور تلك العصور المتباعدة أو المتجاورة ، ولذلك قدم المجرور وهو " بهداهم " على عامله ، للاهتمام بذلك الهدى ؛ لأنه هو منزلتك الجامعة للفضائل والمزايا ، فلا يليق به الاقتداء بهدى هو دون هداهم . ولأجل هذا لم يسبق للنبيء صلى الله عليه وسلم اقتداء بأحد ممن تحنفوا في الجاهلية أو تتنصروا أو تهودوا . فقد لقي النبيء صلى الله
[ ص: 356 ] عليه وسلم
زيد بن عمرو بن نفيل قبل النبوءة في
بلدح وعرض عليه أن يأكل معه من سفرته ، فقال
زيد إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم توهما منه أن النبيء صلى الله عليه وسلم يدين بدين الجاهلية ، وألهم الله
محمدا عليه الصلاة والسلام السكوت عن إجابته إلهاما لحفظ السر المدخر فلم يقل له إني لا أذبح على نصب . ولقي
ورقة بن نوفل غير مرة
بمكة . ولقي
بحيرا الراهب ولم يقتد بأحد من أولئك وبقي على الفطرة إلى أن جاءته الرسالة .
والاقتداء افتعال من " القدوة " بضم القاف وكسرها ، وقياسه على الإسوة يقتضي أن الكسر فيه أشهر . وقال في المصباح : الضم أكثر . ووقع في المقامات
للحريري " وقدوة الشحاذين " فضبط بالضم . وذكره
الواسطي في شرح ألفاظ المقامات في القاف المضمومة ، وروى فيه فتح القاف أيضا ، وهو نادر . والقدوة هو الذي يعمل غيره مثل عمله ، ولا يعرف له في اللغة فعل مجرد ، فلم يسمع إلا " اقتدى " . وكأنهم اعتبروا القدوة اسما جامدا واشتقوا منه الافتعال للدلالة على التكلف كما اشتقوا من اسم الخريف اخترف ، ومن الأسوة ائتسى ، وكما اشتقوا من اسم النمر تنمر ، ومن الحجر تحجر . وقد تستعمل القدوة اسم مصدر لاقتدى . يقال : لي في فلان قدوة ، كما في قوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة " .
وفي قوله فبهداهم اقتده تعريض للمشركين بأن
محمدا صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا على سنة الرسل كلهم وأنه ما كان بدعا من الرسل .
وأمر النبيء صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهداهم يؤذن بأن الله زوى إليه فضيلة من فضائلهم التي اختص كل واحد بها ، سواء ما اتفق منه واتحد ، أو اختلف وافترق ، فإنما يقتدى بما أطلعه الله عليه من فضائل الرسل وسيرهم ، وهو الخلق الموصوف بالعظيم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم .
[ ص: 357 ] ويشمل هداهم ما كان منه راجعا إلى أصول الشرائع ، وما كان منه راجعا إلى زكاء النفس وحسن الخلق . وأما ما كان منه تفاريع عن ذلك وأحكاما جزئية من كل ما أبلغه الله إياه بالوحي ولم يأمره باتباعه في الإسلام ولا بين له نسخه ، فقد اختلف علماؤنا في أن الشرائع الإلهية السابقة هل تعتبر أحكامها من شريعة الإسلام إذا أبلغها الله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجعل في شريعته ما ينسخها .
وأرى أن أصل الاستدلال لهذا أن الله تعالى إذا ذكر في كتابه أو أوحى إلى رسوله عليه الصلاة والسلام حكاية حكم من الشرائع السابقة في مقام التنويه بذلك والامتنان ، ولم يقارنه ما يدل على أنه شرع للتشديد على أصحابه عقوبة لهم ، ولا ما يدل على عدم العمل به ، فإن ذلك يدل على أن الله تعالى يريد من المسلمين العمل بمثله إذا لم يكن من أحكام الإسلام ما يخالفه ولا من أصوله ما يأباه ، مثل أصل التيسير ولا يقتضي القياس على حكم إسلامي ما يناقض حكما من شرائع من قبلنا . ولا حجة في الآيات التي فيها أمر النبيء صلى الله عليه وسلم باتباع من قبله مثل هذه الآية ، ومثل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ومثل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، لأن المقصود من ذلك أصول الديانة وأسس التشريع التي لا تختلف فيها الشرائع ، فمن استدل بقوله تعالى فبهداهم اقتده فاستدلاله ضعيف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في المستصفى : أراد بالهدى التوحيد ودلالة الأدلة العقلية على الوحدانية والصفات ؛ لأنه تعالى أمره بالاقتداء بهداهم ، فلو كان المراد بالهدى شرائعهم لكان أمرا بشرائع مختلفة وناسخة ومنسوخة ، فدل أنه أراد الهدى المشترك بين جميعهم ا هـ . ومعنى هذا أن الآية لا تقوم حجة على المخالف فلا مانع من أن يكون فيها استئناس لمن رأى
nindex.php?page=treesubj&link=22123حجية شرع من قبلنا على الصفات التي ذكرتها آنفا . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تفسير سورة ص
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341735عن العوام قال : سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال : سألت ابن [ ص: 358 ] عباس من أين سجدت ( أي من أي دليل أخذت أن تسجد في هذه الآية ، يريد أنها حكاية عن سجود داود وليس فيها صيغة أمر السجود ) فقال : أوما تقرأ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان داود ممن أمر نبيئكم أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها رسول الله .
والمذاهب في هذه المسألة أربعة : المذهب الأول مذهب
مالك فيما حكاه
ابن بكير وعبد الوهاب والقرافي ونسبوه إلى أكثر أصحاب
مالك : أن شرائع من قبلنا تكون أحكاما لنا ، لأن الله أبلغها إلينا . والحجة على ذلك ما يثبت في الصحاح من
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341736أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضية الربيع بنت النضر حين كسرت ثنية جارية عمدا أن تكسر ثنيتها فراجعته أمها وقالت : والله لا تكسر ثنية الربيع فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص ، وليس في كتاب الله حكم القصاص في السن إلا ما حكاه عن شرع التوراة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45والسن بالسن . وما في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341737من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول في كتابه أقم الصلاة لذكري . وإنما قاله الله حكاية عن خطابه
لموسى عليه السلام ، وبظاهر هذه الآية لأن الهدى مصدر مضاف فظاهره العموم ، ولا يسلم كون السياق مخصصا له كما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي . ونقل علماء المالكية عن أصحاب
أبي حنيفة مثل هذا . وكذلك نقل عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في كتابه " الإعراب في الحيرة والالتباس الواقعين في مذاهب أهل الرأي والقياس . وفي توضيح صدر الشريعة حكايته عن جماعة من أصحابهم ولم يعينه . ونقله
القرطبي عن كثير من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وهو منقول في كتب الحنفية عن عامة أصحاب الشافعي .
المذهب الثاني : ذهب أكثر الشافعية والظاهرية : أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا . واحتجوا بقوله تعالى
[ ص: 359 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا . ونسب
القرطبي هذا القول للكثير من أصحاب
مالك وأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وفي توضيح صدر الشريعة نسبة مثل هذا القول لجماعة من أصحابهم .
الثالث : إنما يلزم الاقتداء بشرع
إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا . ولم أقف على تعيين من نسب إليه هذا القول .
الرابع : لا يلزم إلا اتباع شريعة
عيسى لأنها آخر الشرائع نسخت ما قبلها . ولم أقف على تعيين صاحب هذا القول . قال
ابن رشد في المقدمات : وهذا أضعف الأقوال .
والهاء في قوله " اقتده " ساكنة عند جمهور القراء ، فهي هاء السكت التي تجلب عند الوقف على الفعل المعتل اللام إذا حذفت لامه للجازم ، وهي تثبت في الوقف وتحذف في الوصل ، وقد ثبتت في المصحف ؛ لأنهم كانوا يكتبون أواخر الكلم على مراعاة حال الوقف . وقد أثبتها جمهور القراء في الوصل ، وذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف وهو وارد في الكلام الفصيح . والأحسن للقارئ أن يقف عليها جريا على الأفصح ، فجمهور القراء أثبتوها ساكنة ما عدا رواية
هشام عن
ابن عامر فقد حركها بالكسر ، ووجه
أبو علي الفارسي هذه القراءة بأنها تجعل الهاء ضمير مصدر ( اقتد ) ، أي اقتد الاقتداء ، وليست هاء السكت ، فهي كالهاء في قوله تعالى عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين أي لا أعذب ذلك العذاب أحدا . وقرأ
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف ، بحذف الهاء في حالة الوصل على القياس الغالب .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28977أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .
جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ قُصِدَ مِنِ اسْتِئْنَافِهَا اسْتِقْلَالُهَا لِلِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِهَا ، وَلِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ التَّكْرِيرِ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا : جُمْلَةِ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَجُمْلَةِ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوءَةَ . وَحَقُّ التَّكْرِيرِ أَنْ يَكُونَ مَفْصُولًا ، وَلِيُبْنَى عَلَيْهَا التَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .
[ ص: 355 ] وَالْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ هُمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوءةَ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ أُمِرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ .
وَتَكْرِيرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَأْكِيدِ تَمْيِيزِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَلِمَا يَقْتَضِيهِ التَّكْرِيرُ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ .
وَأَفَادَ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ قَصْرَ جِنْسِ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ عَلَى الْمَذْكُورِينَ تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا ، لِأَنَّ الْمُهَذِّبِينَ مِنَ الْبَشَرِ لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا أُولَئِكَ الْمُسَمَّيْنَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ فَإِنَّ مِنْ آبَائِهِمْ
آدَمَ وَهُوَ الْأَبُ الْجَامِعُ لِلْبَشَرِ كُلِّهِمْ ، فَأُرِيدَ بِالْهُدَى هُدَى الْبَشَرِ ، أَيِ الصَّرْفُ عَنِ الضَّلَالَةِ ، فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ . وَلَا نَظَرَ لِصَلَاحِ الْمَلَائِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ جِبِلِّيٌّ .
وَعَدَلَ عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ الظَّاهِرِ لِقَرْنِ هَذَا الْخَبَرِ بِالْمَهَابَةِ وَالْجَلَالَةِ .
وَقَوْلُهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ تَفْرِيعٌ عَلَى كَمَالِ ذَلِكَ الْهُدَى ، وَتَخَلُّصٌ إِلَى ذِكْرِ حَظِّ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هُدَى اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قُدِّمَ قَبْلَهُ مُسْهَبًا ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَهَدْيِهِمْ إِشَارَةً إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29267_28753عُلُوِّ مَنْزِلَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهَا مَنْزِلَةٌ جَدِيرَةٌ بِالتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَأَنَّهُ جَمَعَ هُدَى الْأَوَّلِينَ ، وَأُكْمِلَتْ لَهُ الْفَضَائِلُ ، وَجَمَعَ لَهُ مَا تَفَرَّقَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْمَزَايَا الْعَظِيمَةِ . وَفِي إِفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ وَتَرْكِ عَدِّهِ مَعَ الْأَوَّلِينَ رَمْزٌ بَدِيعٌ إِلَى فَذَاذَتِهِ وَتَفَرُّدِ مِقْدَارِهِ ، وَرَعْيٌ بَدِيعٌ لِحَالِ مَجِيءِ رِسَالَتِهِ بَعْدَ مُرُورِ تِلْكَ الْعُصُورِ الْمُتَبَاعِدَةِ أَوِ الْمُتَجَاوِرَةِ ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمَجْرُورَ وَهُوَ " بِهُدَاهُمْ " عَلَى عَامِلِهِ ، لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْهُدَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَنْزِلَتُكَ الْجَامِعَةُ لِلْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا ، فَلَا يَلِيقُ بِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهُدًى هُوَ دُونَ هُدَاهُمْ . وَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَسْبِقْ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتِدَاءٌ بِأَحَدٍ مِمَّنْ تَحَنَّفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ تَتَنَصَّرُوا أَوْ تَهَوَّدُوا . فَقَدْ لَقِيَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ
[ ص: 356 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَبْلَ النُّبُوءَةِ فِي
بَلْدَحَ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ مِنْ سُفْرَتِهِ ، فَقَالَ
زَيْدٌ إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدِينُ بِدِينِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَلْهَمَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السُّكُوتَ عَنْ إِجَابَتِهِ إِلْهَامًا لِحِفْظِ السِّرِّ الْمُدَّخَرِ فَلَمْ يَقِلْ لَهُ إِنِّي لَا أَذْبَحُ عَلَى نُصُبٍ . وَلَقِيَ
وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ غَيْرَ مَرَّةٍ
بِمَكَّةَ . وَلَقِيَ
بُحَيْرَا الرَّاهِبَ وَلَمْ يَقْتَدِ بِأَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ وَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ إِلَى أَنْ جَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ .
وَالِاقْتِدَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ " الْقُدْوَةِ " بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْإِسْوَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَسْرَ فِيهِ أَشْهَرُ . وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ : الضَّمُّ أَكْثَرُ . وَوَقَعَ فِي الْمَقَامَاتِ
لِلْحَرِيرِيِّ " وَقُدْوَةُ الشَّحَّاذِينَ " فَضُبِطَ بِالضَّمِّ . وَذَكَرَهُ
الْوَاسِطِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمَقَامَاتِ فِي الْقَافِ الْمَضْمُومَةِ ، وَرَوَى فِيهِ فَتْحَ الْقَافِ أَيْضًا ، وَهُوَ نَادِرٌ . وَالْقُدْوَةُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ غَيْرُهُ مِثْلَ عَمَلِهِ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي اللُّغَةِ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ ، فَلَمْ يُسْمَعُ إِلَّا " اقْتَدَى " . وَكَأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا الْقُدْوَةَ اسْمًا جَامِدًا وَاشْتَقُّوا مِنْهُ الِافْتِعَالَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّكَلُّفِ كَمَا اشْتَقُّوا مِنِ اسْمِ الْخَرِيفِ اخْتُرِفَ ، وَمِنَ الْأُسْوَةِ ائْتَسَى ، وَكَمَا اشْتَقُّوا مِنِ اسْمِ النَّمِرِ تَنَمَّرَ ، وَمِنَ الْحَجَرِ تَحَجَّرَ . وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ الْقُدْوَةُ اسْمَ مَصْدَرٍ لِاقْتَدَى . يُقَالُ : لِي فِي فُلَانٍ قُدْوَةٌ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=6لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " .
وَفِي قَوْلِهِ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ إِلَّا عَلَى سُنَّةِ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ وَأَنَّهُ مَا كَانَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ .
وَأَمْرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ يُؤْذِنُ بِأَنَّ اللَّهَ زَوَى إِلَيْهِ فَضِيلَةً مِنْ فَضَائِلِهِمُ الَّتِي اخْتَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِهَا ، سَوَاءٌ مَا اتَّفَقَ مِنْهُ وَاتَّحَدَ ، أَوِ اخْتَلَفَ وَافْتَرَقَ ، فَإِنَّمَا يُقْتَدَى بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ فَضَائِلِ الرُّسُلِ وَسِيَرِهِمْ ، وَهُوَ الْخُلُقُ الْمَوْصُوفُ بِالْعَظِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
[ ص: 357 ] وَيَشْمَلُ هُدَاهُمْ مَا كَانَ مِنْهُ رَاجِعًا إِلَى أُصُولِ الشَّرَائِعِ ، وَمَا كَانَ مِنْهُ رَاجِعًا إِلَى زَكَاءِ النَّفْسِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ . وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ تَفَارِيعُ عَنْ ذَلِكَ وَأَحْكَامًا جُزْئِيَّةً مِنْ كُلِّ مَا أَبْلَغَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ بِالْوَحْيِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاتِّبَاعِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا بَيَّنَ لَهُ نَسْخَهُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي أَنَّ الشَّرَائِعَ الْإِلَهِيَّةَ السَّابِقَةَ هَلْ تُعْتَبَرُ أَحْكَامُهَا مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَبْلَغَهَا اللَّهُ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي شَرِيعَتِهِ مَا يَنْسَخُهَا .
وَأَرَى أَنَّ أَصْلَ الِاسْتِدْلَالِ لِهَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَوْ أَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِكَايَةَ حُكْمٍ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ فِي مَقَامِ التَّنْوِيهِ بِذَلِكَ وَالِامْتِنَانِ ، وَلَمْ يُقَارِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشْدِيدِ عَلَى أَصْحَابِهِ عُقُوبَةً لَهُمْ ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْعَمَلَ بِمِثْلِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مَا يُخَالِفُهُ وَلَا مِنْ أُصُولِهِ مَا يَأْبَاهُ ، مِثْلُ أَصْلِ التَّيْسِيرِ وَلَا يَقْتَضِي الْقِيَاسَ عَلَى حُكْمٍ إِسْلَامِيٍّ مَا يُنَاقِضُ حُكْمًا مِنْ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا . وَلَا حُجَّةً فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا أُمِرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ مَنْ قَبْلَهُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ أُصُولُ الدِّيَانَةِ وَأُسُسُ التَّشْرِيعِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الشَّرَائِعُ ، فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ فَاسْتِدْلَالُهُ ضَعِيفٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى : أَرَادَ بِالْهُدَى التَّوْحِيدَ وَدَلَالَةَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى الْوَحدَانِيَّةِ وَالصِّفَاتِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْهُدَى شَرَائِعَهُمْ لَكَانَ أَمْرًا بِشَرَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَنَاسِخَةٍ وَمَنْسُوخَةٍ ، فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ الْهُدَى الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ ا هـ . وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْآيَةَ لَا تَقُومُ حُجَّةً عَلَى الْمُخَالِفِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا اسْتِئْنَاسٌ لِمَنْ رَأَى
nindex.php?page=treesubj&link=22123حُجِّيَّةَ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا عَلَى الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا آنِفًا . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ص
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341735عَنِ الْعَوَّامِ قَالَ : سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ ص فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ [ ص: 358 ] عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ ( أَيْ مِنْ أَيِّ دَلِيلٍ أَخَذْتَ أَنْ تَسْجُدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، يُرِيدُ أَنَّهَا حِكَايَةٌ عَنْ سُجُودِ دَاوُدَ وَلَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ أَمْرِ السُّجُودِ ) فَقَالَ : أَوَمَا تَقْرَأُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيئُكُمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَسَجَدَهَا دَاوُدُ فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ .
وَالْمَذَاهِبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ : الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ
مَالِكٍ فِيمَا حَكَاهُ
ابْنُ بُكَيْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْقَرَافِيُّ وَنَسَبُوهُ إِلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِ
مَالِكٍ : أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبْلَنَا تَكُونُ أَحْكَامًا لَنَا ، لِأَنَّ اللَّهَ أَبْلَغَهَا إِلَيْنَا . وَالْحُجَّةُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَثْبُتُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341736أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَضِيَّةِ الرُّبَيْعِ بِنْتِ النَّضْرِ حِينَ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ عَمْدًا أَنْ تُكْسَرَ ثَنِيَّتُهَا فَرَاجَعَتْهُ أُمُّهَا وَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَا تَكْسِرُ ثَنِيَّةَ الرُّبَيْعِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حُكْمُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ إِلَّا مَا حَكَاهُ عَنْ شَرْعِ التَّوْرَاةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ . وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341737مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي . وَإِنَّمَا قَالَهُ اللَّهُ حِكَايَةً عَنْ خِطَابِهِ
لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَبِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْهُدَى مَصْدَرٌ مُضَافٌ فَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ ، وَلَا يُسَلَّمُ كَوْنُ السِّيَاقِ مُخَصِّصًا لَهُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ . وَنَقَلَ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ هَذَا . وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ " الْإِعْرَابِ فِي الْحَيْرَةِ وَالِالْتِبَاسِ الْوَاقِعَيْنِ فِي مَذَاهِبِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ . وَفِي تَوْضِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حِكَايَتَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ . وَنَقَلَهُ
الْقُرْطُبِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي : ذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ : أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى
[ ص: 359 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا . وَنَسَبَ
الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْقَوْلَ لِلْكَثِيرِ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَفِي تَوْضِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ نِسْبَةُ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ .
الثَّالِثُ : إِنَّمَا يَلْزَمُ الِاقْتِدَاءُ بِشَرْعِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا . وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ مَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ .
الرَّابِعُ : لَا يَلْزَمُ إِلَّا اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ
عِيسَى لِأَنَّهَا آخِرُ الشَّرَائِعِ نَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا . وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ صَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ . قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ : وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ .
وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ " اقْتَدِهْ " سَاكِنَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ ، فَهِيَ هَاءُ السَّكْتِ الَّتِي تُجْلَبُ عِنْدَ الْوَقْفِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ إِذَا حُذِفَتْ لَامُهُ لِلْجَازِمِ ، وَهِيَ تَثْبُتُ فِي الْوَقْفِ وَتُحْذَفُ فِي الْوَصْلِ ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَفِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَوَاخِرَ الْكَلِمِ عَلَى مُرَاعَاةِ حَالِ الْوَقْفِ . وَقَدْ أَثْبَتَهَا جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ فِي الْوَصْلِ ، وَذَلِكَ مِنْ إِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ . وَالْأَحْسَنُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهَا جَرْيًا عَلَى الْأَفْصَحِ ، فَجُمْهُورُ الْقُرَّاءِ أَثْبَتُوهَا سَاكِنَةً مَا عَدَا رِوَايَةَ
هِشَامٍ عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ فَقَدْ حَرَّكَهَا بِالْكَسْرِ ، وَوَجَّهَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ بِأَنَّهَا تَجْعَلُ الْهَاءَ ضَمِيرَ مَصْدَرِ ( اقْتَدِ ) ، أَيِ اقْتَدِ الِاقْتِدَاءَ ، وَلَيْسَتْ هَاءَ السَّكْتِ ، فَهِيَ كَالْهَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ أَيْ لَا أُعَذِّبُ ذَلِكَ الْعَذَابَ أَحَدًا . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ ، بِحَذْفِ الْهَاءِ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ عَلَى الْقِيَاسِ الْغَالِبِ .