الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نحل

                                                          نحل : النحل : ذباب العسل ، واحدته نحلة . وفي حديث ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النحلة والنملة والصرد والهدهد ، وروي عن إبراهيم الحربي أنه قال : إنما نهى عن قتلهن [ ص: 212 ] لأنهن لا يؤذين الناس ، وهي أقل الطيور والدواب ضررا على الناس ، ليس هي مثل ما يتأذى الناس به من الطيور الغراب وغيره ، وقيل له : فالنملة إذا عضت تقتل ؟ قال : النملة لا تعض إنما يعض الذر ، قيل له : إذا عضت الذرة تقتل ؟ قال : إذا آذتك فاقتلها . والنحل : دبر العسل ; الواحدة نحلة . وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله - عز وجل - : وأوحى ربك إلى النحل ، جائز أن يكون سمي نحلا لأن الله - عز وجل - نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها . وقال غيره من أهل العربية : النحل يذكر ويؤنث وقد أنثها الله - عز وجل - فقال : أن اتخذي من الجبال بيوتا ، ومن ذكر النحل فلأن لفظه مذكر ، ومن أنثه فلأنه جمع نحلة . وفي حديث ابن عمر : " مثل المؤمن مثل النحلة " ، المشهور في الرواية بالخاء المعجمة ، وهي واحدة النخل ، وروي بالحاء المهملة ; يريد نحلة العسل ، ووجه المشابهة بينهما حذق النحل وفطنته وقلة أذاه وحقارته ومنفعته وقنوعه وسعيه في الليل وتنزهه عن الأقذار وطيب أكله وأنه لا يأكل من كسب غيره ونحوله وطاعته لأميره ، وإن للنحل آفات تقطعه عن عمله منها : الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار ، وكذلك المؤمن له آفات تفتره عن عمله : ظلمة الغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام وماء السعة ونار الهوى . الجوهري : النحل والنحلة الدبر ، يقع على الذكر والأنثى حتى تقول يعسوب . والنحل : الناحل ، وقال ذو الرمة :


                                                          يدعن الجلس نحلا قتالها

                                                          ونحل جسمه ونحل ينحل وينحل نحولا ، فهو ناحل : ذهب من مرض أو سفر ، والفتح أفصح ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          وكنت كعظم العاجمات اكتنفنه     بأطرافها ، حتى استدق نحولها

                                                          إنما أراد ناحلها ; فوضع المصدر موضع الاسم ، وقد يكون جمع ناحل كأنه جعل كل طائفة من العظم ناحلا ، ثم جمعه على فعول كشاهد وشهود ، ورجل نحيل من قوم نحلى وناحل ، والأنثى ناحلة ، ونساء نواحل ورجل نحل . وفي حديث أم معبد : لم تعبه نحلة أي دقة وهزال . والنحل الاسم ، قال القتيبي : لم أسمع بالنحل في غير هذا الموضع إلا في العطية . والنحول : الهزال ، وأنحله الهم ، وجمل ناحل : مهزول دقيق . وجمل ناحل : رقيق . والنواحل : السيوف التي رقت ظباها من كثرة الاستعمال . وسيف ناحل : رقيق ، على المثل ، وقول ذي الرمة :


                                                          ألم تعلمي ، يا مي ، أنا     وبيننا مهاو يدعن الجلس

                                                          نحلا قتالها هو جمع ناحل ، جعل كل جزء منها ناحلا ، قال ابن سيده : وهو عندي اسم للجمع لأن فاعلا ليس مما يكسر على فعل ، قال : ولم أسمع به إلا في هذا البيت . الأزهري : السيف الناحل الذي فيه فلول فيسن مرة بعد أخرى حتى يرق ويذهب أثر فلوله ، وذلك أنه إذا ضرب به فصمم انفل فينحي القين عليه بالمداوس والصقل حتى تذهب فلوله ، ومنه قول الأعشى :


                                                          مضاربها ، من طول ما ضربوا بها     ومن عض هام الدارعين ، نواحل

                                                          وقمر ناحل إذا دق واستقوس . ونحلة : فرس سبيع بن الخطيم . والنحل ، بالضم : إعطاؤك الإنسان شيئا بلا استعاضة ، وعم به بعضهم جميع أنواع العطاء ، وقيل : هو الشيء المعطى ، وقد أنحله مالا ونحله إياه ، وأبى بعضهم هذه الأخيرة . ونحل المرأة : مهرها ، والاسم النحلة ، تقول : أعطيتها مهرها نحلة ، بالكسر ، إذا لم ترد منها عوضا . في التنزيل العزيز : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، وقال أبو إسحاق : قد قيل فيه غير هذا القول ، قال بعضهم : فريضة ، وقال بعضهم : ديانة ، كما تقول فلان ينتحل كذا وكذا أي يدين به ، وقيل نحلة أي دينا وتدينا ، وقيل : أراد هبة ، وقال بعضهم : هي نحلة من الله لهن أن جعل على الرجل الصداق ولم يجعل على المرأة شيئا من الغرم ، فتلك نحلة من الله للنساء . ونحلت الرجل والمرأة إذا وهبت له نحلة ونحلا ، ومثل نحلة ونحل حكمة وحكم . وفي التهذيب : والصداق فرض لأن أهل الجاهلية كانوا لا يعطون النساء من مهورهن شيئا ، فقال الله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، هبة من الله للنساء فريضة لهن على الأزواج ، كان أهل الجاهلية إذا زوج الرجل ابنته استجعل لنفسه جعلا يسمى الحلوان ، وكانوا يسمون ذلك الشيء الذي يأخذه النافجة ، كانوا يقولون بارك الله لك في النافجة ، فجعل الله الصدقة للنساء فأبطل فعلهم . الجوهري : النحل ، بالضم ، مصدر قولك نحلته من العطية أنحله نحلا ، بالضم . والنحلة ، بالكسر : العطية . والنحلى : العطية ، على فعلى . ونحلت المرأة مهرها عن طيب نفس من غير مطالبة أنحلها ، ويقال من غير أن يأخذ عوضا ، يقال : أعطاها مهرها نحلة ، بالكسر ، وقال أبو عمرو : هي التسمية أن يقول نحلتها كذا وكذا ويحد الصداق ويبينه . وفي الحديث : " ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن " ، النحل : العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق . وفي حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان مال الله نحلا ; أراد يصير الفيء عطاء من غير استحقاق على الإيثار والتخصيص . المحكم : وأنحل ولده مالا ونحله خصه بشيء منه ، والنحل والنحلان اسم ذلك الشيء المعطى . والنحلة : الدعوى . وانتحل فلان شعر فلان أو قول فلان إذا ادعاه أنه قائله . وتنحله : ادعاه وهو لغيره . وفي الخبر : أن عروة بن الزبير وعبيد الله بن عتبة بن مسعود دخلا على عمر بن عبد العزيز - وهو يومئذ أمير المدينة - فجرى بينهم الحديث حتى قال عروة في شيء جرى من ذكر عائشة وابن الزبير : سمعت عائشة تقول ما أحببت أحدا حبي عبد الله بن الزبير ; لا أعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبوي ، فقال له عمر : إنكم لتنتحلون عائشة لابن الزبير انتحال من لا يرى لأحد معه فيها نصيبا ، فاستعاره لها ، وقال ابن هرمة :

                                                          ولم أتنحل الأشعار فيها ، ولم تعجزني المدح الجياد ونحله القول ينحله نحلا : نسبه إليه . ونحلته القول أنحله نحلا ، بالفتح : إذا أضفت إليه قولا قال غيره وادعيته عليه . وفلان ينتحل مذهب كذا وقبيلة كذا إذا انتسب إليه . ويقال : نحل الشاعر قصيدة [ ص: 213 ] إذا نسبت إليه وهي من قيل غيره ، وقال الأعشى في الانتحال :


                                                          فكيف أنا وانتحالي القوا في     بعد المشيب ، كفى ذاك عارا
                                                          ! وقيدني الشعر في بيته     كما قيد الأسرات الحمارا

                                                          ! أراد انتحالي القوافي فدلت كسرة الفاء من القوافي على سقوط الياء فحذفها ، كما قال الله - عز وجل - : وجفان كالجواب ، وتنحله مثله ، قال الفرزدق :


                                                          إذا ما قلت قافية شرودا     تنحلها ابن حمراء العجان

                                                          وقال أبو العباس أحمد بن يحيى في قولهم انتحل فلان كذا وكذا : معناه قد ألزمه نفسه وجعله كالملك له ، وهي الهبة والعطية يعطاها الإنسان . وفي حديث قتادة بن النعمان : كان بشير بن أبيرق يقول الشعر ويهجو به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وينحله بعض العرب أي ينسبه إليهم من النحلة وهي النسبة بالباطل . ويقال : ما نحلتك أي ما دينك ؟ الأزهري : الليث يقال نحل فلان فلانا إذا سابه فهو ينحله يسابه ، قال طرفة :


                                                          فدع ذا ، وانحل النعمان قولا     كنحت الفأس ، ينجد أو يغور

                                                          قال الأزهري : نحل فلان فلانا إذا سابه باطل ، وهو تصحيف لنجل فلان فلانا إذا قطعه بالغيبة . ويروى الحديث : " من نجل الناس نجلوه أي من عاب الناس عابوه ومن سبهم سبوه " ، وهو مثل ما روي عن أبي الدرداء : " إن قارضت الناس قارضوك ، وإن تركتهم لم يتركوك " ، قوله : إن قارضتهم مأخوذ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " رفع الله الحرج إلا من اقترض عرض امرئ مسلم " ; فذلك الذي حرج ، وقد فسر في موضعه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية